أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات مجتمع وظائف للأردنيين أحزاب أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة مناسبات جاهات واعراس مستثمرون شهادة الموقف جامعات بنوك وشركات خليجيات مغاربيات دين اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

منسي يكتب: العدالة الاجتماعية طريق التعافي.. ورفع الأجور مفتاح الاستقرار


وائل منسي

منسي يكتب: العدالة الاجتماعية طريق التعافي.. ورفع الأجور مفتاح الاستقرار

مدار الساعة ـ

في عالمٍ يتقاطع فيه الركود مع الاضطراب الجيوسياسي، تتجدد اليوم أهمية العدالة الاجتماعية والاقتصادية كمدخل رئيسٍ للتعافي من الأزمات العالمية المتلاحقة، من جائحة كورونا إلى الحرب في أوكرانيا وغزة، ومن الحرب الباردة الاقتصادية الجديدة بين الولايات المتحدة والصين إلى ارتفاع أسعار الفائدة في أمريكا ومعظم دول العالم، وما تسببه هذه التحولات من ضغوط معيشية وتفاوتات اجتماعية حادة.

في هذا السياق، أعادت الأبحاث الاقتصادية والاجتماعية الحديثة الاعتبار لحقيقة طالما تجاهلتها النظريات التقليدية: أن رفع الحد الأدنى للأجور لا يضر بالتوظيف ولا يعيق النمو الاقتصادي، بل يمكن أن يكون أداةً فعالة لتحفيز الطلب الداخلي وتعزيز الإنتاجية وتحقيق استقرار اقتصادي واجتماعي أعمق.

لقد روّجت بعض المدارس الاقتصادية الكلاسيكية، ومعها مؤسسات مالية دولية كصندوق النقد وغرف التجارة الكبرى، لفرضية أن زيادة الأجور تضعف فرص العمل وتثقل كاهل الاقتصاد.

لكن الأدلة الميدانية في العقود الأخيرة من البرازيل إلى ألمانيا وجنوب إفريقيا وإندونيسيا أثبتت العكس تمامًا: أن تحسين أجور العمال يعزز الاستهلاك، ويرفع الإنتاجية، ويزيد الإيرادات الضريبية، ويحفّز النمو الكلي.

وبعد أزمات الطاقة والغذاء والتضخم، وارتفاع الفوائد الذي ضغط على الشركات والأسر على حد سواء، بات من الواضح أن النمو القائم على المضاربات المالية والسياسات النقدية وحدها لم يعد كافيًا، وأن الطريق إلى تعافٍ مستدام يمر عبر اقتصاد سوق اجتماعي يوازن بين حرية السوق وعدالة التوزيع.

إن التحولات داخل مؤسسات كالبنك الدولي ومنظمة العمل الدولية خلال العقد الأخير تعبّر عن إدراكٍ متزايد لأهمية هذا التوازن.

ففي عام 2019، أكدت منظمة العمل الدولية في إعلانها المئوي على ضرورة ضمان حد أدنى للأجور يضمن الكرامة الإنسانية ويحد من الفقر، باعتباره ركيزة في مستقبل العمل اللائق.

كما قادت النقابات العمالية العالمية، وعلى رأسها الاتحاد الدولي لنقابات العمال (ITUC)، حملات متصاعدة لتعزيز الأجور المعيشية وربطها بمفهوم “النمو الذي تقوده الأجور” بدلًا من النمو الذي تحتكره الأرباح.

هذه المقاربة لا تُعيد فقط توزيع الدخل بعدالة، بل تخلق دورة اقتصادية أكثر شمولًا واستقرارًا.

لم يعد النقاش حول الأجور مسألة اقتصادية ضيقة، بل قضية اجتماعية وسياسية ترتبط بالعدالة والكرامة والحق في العيش الكريم.

فالمجتمعات التي تضمن أجورًا عادلة وتبني شبكات حماية اجتماعية قوية، هي الأقدر على الصمود في وجه الحروب والأزمات وتقلبات الأسواق، وهي الأقرب إلى تحقيق الاستقرار والنمو المتوازن.

إن العدالة الاجتماعية لم تعد رفاهًا أخلاقيًا بل شرطًا اقتصاديًا للتعافي العالمي.

فازدهار السوق لا يتحقق على حساب الإنسان، بل من خلاله ومن هنا، يصبح رفع الأجور وحماية العمل اللائق حجر الزاوية في أي نهضة اقتصادية حقيقية.

مدار الساعة ـ