الأردن بلد كريم يُعرف بمواقفه الإنسانية ودعمه المستمر للقضايا العربية والدولية، يقدم المساعدات بسخاء، ويشارك في حملات إغاثة لا حصر لها خارج حدوده.
لكنه، للأسف، كثيرًا ما ينظر إلى الخارج بعين الشفقة، في حين يغفل عن أبنائه في الجنوب ومختلف قرى ومدن المملكة الذين يعانون من الفقر المدقع وسوء الأوضاع المعيشية.في محافظات الجنوب مثل معان، الطفيلة، والكرك، وغيرها من المناطق، يعيش العديد من الأسر ظروفًا قاسية تتسم بالبطالة، نقص الخدمات، وافتقار فرص التنمية الحقيقية. أطفال لا يجدون مدارس مناسبة، وشباب بلا فرص عمل أو أمل، ومسنون يواجهون ضغوط الحياة اليومية بلا خدمات كافية. ورغم هذا الواقع المؤلم، فإن أصواتهم لا تجد دائماً ما يكفي من الاهتمام والدعم الكافي.على الصعيد الآخر، هناك نماذج مثل محمد القرالة، الذي كان أول من كشف معاناة قرية البربيطة في عام 2016، ولكن للأسف لم تلفت معاناتهم انتباه المسؤولين حينها. بعد ذلك، فاز الزميل القرالة بجائزة الحسين التي تقدم بها نقابة الصحفيين، وتبرع بقيمة الجائزة البالغة 3000 دينار لأبناء البربيطة، ومع ذلك لم يتغير شيء في تعامل الحكومة مع قريتهم منذ ذلك التاريخ.ومن جهة أخرى، ساهم عامر الرجوب في تسليط الضوء على أزمة المياه في منطقة البربيطة أيضاً. ولكن الواقع يشير إلى أن هناك أكثر من بربيطة في مناطق مختلفة من المملكة هجرتها عين الحكومة وبرامجها ومشاريعها، مما يضاعف من التحديات التي تواجه تلك المناطق ويؤكد الحاجة الماسة إلى دور مسؤول وفاعل من الحكومة، والمجتمع المدني، والشركات الوطنية.فالقطاع الخاص والشركات الوطنية عليها مسؤولية مجتمعية كبيرة، لا تقتصر فقط على الربح، بل تمتد لتشمل دعم التنمية المحلية، وتحسين ظروف المعيشة في المناطق المهمشة، وتوفير فرص العمل والمشاركة في مشاريع تنموية مستدامة.الأردن الذي يُمد يد العون للمحتاجين في كل مكان، يحتاج أولاً أن يلتفت إلى أبنائه في الداخل، ليمنحهم حقهم في حياة كريمة وفرص عادلة. فالمساعدات الخارجية مهما كانت عظيمة، لا تعوض عن الإهمال الداخلي الذي يفاقم من معاناة أبناء الوطن.على صانعي القرار أن يوازنوا بين الدور الإنساني الخارجي وبين الاحتياجات الوطنية، فلا تكون عيوننا متجهة نحو الآخرين، بينما تعاني مناطقنا من الجوع والبطالة وقلة الخدمات الأساسية.إن التنمية الحقيقية تبدأ من داخل الوطن، ومنح البربيطة ومختلف قرى ومدن المملكة الاهتمام الكافي هو استثمار في مستقبل الأردن كله، فلا يمكن لأي وطن أن يتقدم أو يستقر إذا تجاهل أبناءه الأكثر ضعفًا وحاجة.عجيلات تكتب: الأردن بين عطائه للخارج وحاجات أبنائه في الداخل
مدار الساعة ـ