أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس الموقف مناسبات جاهات واعراس مستثمرون شهادة جامعات خليجيات مغاربيات دين بنوك وشركات اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

الكايد يكتب: عن العفو العام بتجرّد


المحامي علاء مصلح الكايد

الكايد يكتب: عن العفو العام بتجرّد

مدار الساعة ـ

نصت الفقرة الأولى من المادة ٦ من الدستور الأردني على أن الأردنيون أمام القانون سواء لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات وإن اختلفوا في العرق أو اللغة أو الدين.

والضامن لما سبق هو إقامة العدل، وهنا يبرز السؤال؛ كيف يتحقق العدل بين مواطن ارتكب جرما وقضى مدة محكوميته كاملة سواء بالحبس أو الغرامة أو كليهما، وآخر ارتكب جرما أكبر، أو مساوٍ له، ولم يحاكم أو حوكم ولم يقض من محكوميته يوما واحداً مستفيدا من العفو العام، كيف يكون العدل عندئذ؟

وطالما قد مضى على إقرار آخر عفوٍ عامٌ ونصف العام أي في الربع الأول من العام ٢٠٢٤، وسبقه قانون العفو العام ٢٠١٩، نكون أمام عفوٍ عامّ كل خمس سنوات، لا بل وصل الأمر إلى حدّ المطالبة بعفو جديد اي بمعدل عفو كلّ سنتين وربما أقل، فهل اصبح الاستثناء هو الأصل؟ وكيف سيتحقق الردع والزجر المطلوبين لإدامة الأمن في ظل ذلك؟

كما إن هناك ظروف رافقت وتبعت العفو العام الأخير أسهمت حقيقة في تخفيف الضغط على مراكز الإصلاح والتأهيل واخرجت عشرات الآلاف منها، حيث أصدرت دوائر التنفيذ (٥٦) ألف قرار كفّ طلب عن مدينين محكومين بدعاوى حقوقية كان جزء كبير منهم في الحبس وآخرون قيد التعميم، كما أفرجت وزارة الداخلية عما يقارب (٣) آلاف موقوفٍ إداريّ خلال السنتين الماضيتين، أي أن تلك الإجراءات قد أخلت سبيل الآلاف من الحبس فعلا، اضافة إلى تطبيق العقوبات البديلة التي تباشرها وزارة العدل في الأحكام الجزائية لتكون بديلا عن الحبس حيث أحالت الوزارة عطاءا لشراء (١٥٠٠) اسوارة إلكترونية هذا العام، فضلا عن بدائل العقوبات السالبة للحرية الأخرى كالخدمة المجتمعية.

أما بخصوص الأحكام التي استثناها العفو الأخير ومنها بعض الدعاوى المتضمنة إسقاطا للحقوق الشخصية، فإن طبيعة الضغوطات الاجتماعية التي تُمارَس على المجني عليه و/أو ذويه لا تخفى على أيّ منّا، ولعل ما يسهّل على الفرد أحيانا الرضوخ للضغوطات - بكل أسف- وإسقاط حقوقه هو ضمانُه بأن مرتكب الفعل سينال جزاءه تبعا للحق العام، ولولا ذلك لما أسقطت الحقوق في الكثير وربما معظم الدعاوى الجزائية.

كما أن هناك مسألة لا بدّ وأن تبيّنها الحكومة؛ وهي عدد أو نسبة الذين عادوا لارتكاب جنايات أو جنح ممّن أُخلي سبيلهم في العفو العام، الأخير وما سبقه، فتلك مسألة تخدش سيادة القانون وتهدد الأمن والسلم المجتمعيّين وتجعل من العفو مهرب نجاة من العقاب.

قد تكون الرغبة العامة بشمول مخالفات السّير في العفو العام هي المحرك الذي يثير اهتمام فئة كبيرة من المواطنين، لكنها أيضا شكل من أشكال عدم تحقق العدالة، لا بل معاقبة الملتزم في الغالب، إذ سيدفع مواطنٌ مبلغا من المال لقاء تسديد مخالفاته ويُعفى من ذلك مواطن آخر، وتلك مسألة أُخرى قد تستدعي ايجاد آلية لتقسيط قيم المخالفات مثلا لا الإعفاء منها، حتى لا يندم الملتزم ويُكافئ المقصر، فكلاهما يسدد التزاماته بشقّ الأنفس.

وكصاحب خبرة متواضعة في المجال القانوني، لا أرى في الحبس قيمة مضافة لا للمجتمع ولا للمحكوم عليه سوى في حالات معينة، واتمنى الذهاب بالعقوبات البديلة الى أوسع نطاق ممكن، مع الإبقاء على مبدأ العقاب صيانة للقانون وسيادته واستقرار المجتمع، تحقيقا للعدالة، أما فكرة العفو العام المتكرر فتنسف كل ذلك، وما من دولة في العالم تقرّ العفو تلو الآخر، إذ له من المبررات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ما يحدد متى وكيف يكون، لا أن يصبح الأمن من العقوبة والإفلات منها هو الأصل والأساس، ولم تكن العدالة يومًا على حساب المجني عليه الملتزم بالقانون المحتكم للقضاء وسلطانه، وإلا لسادت وسائل تحصيل الحق بالذات.

على السلطتين التشريعية والتنفيذية أن تشرحا حقيقة الواقع بالأرقام كما سلف ذكره وأكثر، وبيان فلسفة وجود عقاب رادع وانعكاسه على امن الدولة ككلّ، والعكس بالعكس، ولا بد أن تترسخ ثقافة الاحتكام للقانون بدلا من توسّع الرغبات والمطالبات المتوالية بقوانين عفو عام عاما تلو الآخر، فتلك ظاهرة غير مقبولة ولا معقولة وتستحق التدبّر فيها.

في بلادنا؛ يعدّ توفّر الأمن من المُسلّمات بحمد الله، لكنه لم يأت من فراغ، بل هي منظومة متكاملة تبدأ من الشعور بالردع العام، وتنتهي بنيل من يتجاوز على القانون جزاءه العادل، وعلى الجهة المقابلة من المعادلة؛ شخص آمن بقدرة الدولة على عقاب من اعتدى على حقوقه، وكل ذلك يتعارض مع فكرة العفو المتكرر، المضمون والمتتالي، خاصة إذا ضمن "فنجان القهوة" إسقاط الحقوق.

مدار الساعة ـ