أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس تبليغات قضائية الموقف مناسبات جاهات واعراس مستثمرون شهادة جامعات دين بنوك وشركات خليجيات مغاربيات ثقافة رياضة اخبار خفيفة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

نحو آفاق اقتصادية جديدة بين الأردن والصين


د. رعد محمود التل

نحو آفاق اقتصادية جديدة بين الأردن والصين

مدار الساعة (الرأي الأردنية) ـ

من المفترض أن تشهد العلاقات الاقتصادية بين الأردن والصين مرحلة جديدة من التطور، تتزامن مع مرور عقد على إقامة الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، ومع بدء الصين تنفيذ خطتها الخمسية الخامسة عشرة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية للفترة 2026–2030. هذا التزامن لا يحمل بعداً زمنياً فحسب، بل يعبّر عن تقاطع استراتيجي بين مسارين تنمويين متوازيين: مسار "التحديث الصين" الذي يهدف إلى ترسيخ التنمية عالية الجودة، ومسار "رؤية التحديث الاقتصادي " في الاردن والتي تسعى إلى رفع كفاءة الاقتصاد وتحفيز الاستثمار وخلق فرص عمل نوعية.

الخطة الخمسية الصينية الجديدة تعد محطة أساسية في مسيرة الاقتصاد الصيني، إذ تركز على بناء منظومة صناعية حديثة وتعزيز الابتكار التكنولوجي بوصفه المحرك الرئيس للنمو، إلى جانب تعميق الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي وتوسيع الانفتاح على العالم. وتعكس ملامح هذه الخطة توجهاً واضحاً نحو تحقيق توازن بين النمو الداخلي والتكامل الخارجي، من خلال تطوير التجارة والاستثمار المشترك والمشاركة الفاعلة في مبادرة "الحزام والطريق". وهي رؤية لا تنفصل عن توجه الصين لتعزيز التعاون الدولي القائم على المنفعة المتبادلة والتنمية المشتركة، ما يمنح الدول الشريكة فرصاً جديدة لبناء مشاريع تنموية مستدامة.

في المقابل، يسعى الأردن من خلال رؤيته للتحديث الاقتصادي إلى بناء اقتصاد أكثر تنافسية وقدرة على التكيّف مع التحولات العالمية. وتتمثل أولوياته في تحفيز النمو، وتمكين القطاع الخاص، وتطوير البنية التحتية، وتعزيز الإنتاجية. وبالنظر إلى هذه الأولويات، يتضح أن هناك تقاطعاً كبيراً مع المسار الصيني الجديد، الأمر الذي يخلق أرضية خصبة لتوسيع التعاون في مجالات متعددة تجمع بين التمويل، والتكنولوجيا، ونقل المعرفة.

تتجه الصين في المرحلة المقبلة إلى الاستثمار في القطاعات ذات القيمة المضافة العالية، وهو ما يتناسب مع احتياجات الاقتصاد الأردني الذي يسعى لتنويع مصادر النمو. ومن أبرز المجالات المرشحة للتعاون المشترك قطاع الطاقة، ولا سيما الطاقة المتجددة. فالأردن يمتلك أحد أعلى معدلات الإشعاع الشمسي في المنطقة، بينما تعد الصين من أكبر المنتجين والمصدرين لتقنيات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. ويمكن أن تشهد المرحلة المقبلة تنفيذ مشاريع مشتركة لتصنيع الألواح الشمسية وتوربينات الرياح وتطوير تقنيات تخزين الطاقة وربطها بالشبكة الوطنية، إضافة إلى التعاون في مجالات كفاءة الطاقة وإدارة الاستهلاك الصناعي والسكني.

أما البنية التحتية والنقل واللوجستيات فهي مجال آخر للتكامل الاستراتيجي. إذ توفر مبادرة "الحزام والطريق" إطاراً مثالياً لتطوير ممرات تجارية ومناطق لوجستية جديدة تربط آسيا بالبحر المتوسط، يمكن للأردن أن يكون فيها مركزاً محورياً. ويتوقع أن تتجه الاستثمارات المستقبلية إلى تطوير الموانئ والطرق وخطوط السكك الحديدية والمناطق الحرة، ما يعزز موقع الأردن كبوابة إقليمية للتجارة والنقل. كما أن إنشاء مناطق صناعية مشتركة بين الجانبين يمكن أن يخلق فرص عمل جديدة ويزيد من القدرة التصديرية للصناعات الأردنية نحو الأسواق الإقليمية.

في القطاع الصناعي، تمتلك الصين خبرة متقدمة في تطوير الصناعات التحويلية والالكترونية والدوائية والغذائية. ويمكن للأردن الاستفادة من هذه الخبرة في بناء قاعدة صناعية حديثة قادرة على المنافسة، عبر شراكات إنتاجية مشتركة ونقل التكنولوجيا. ويُتوقع أن يشهد التعاون الصناعي انتقالاً من نمط الاستثمار في البنية إلى الاستثمار في القيمة المضافة، بحيث تتركز المشاريع على الإنتاج المشترك وتبادل الخبرات الفنية والتقنية.

كما يشكل الاقتصاد الرقمي والذكاء الاصطناعي مجالاً واعداً للتعاون الثنائي. فالصين تتجه إلى توسيع نطاق تطبيقات "الذكاء الاصطناعي بلاس" في مختلف القطاعات، بينما يسعى الأردن لتطوير بنيته الرقمية وتعزيز التحول الإلكتروني في الخدمات الحكومية والقطاع الخاص. ويمكن إقامة مراكز بحث وتطوير مشتركة، وتدريب الكفاءات الأردنية في مجالات البرمجة وتحليل البيانات والتصميم الصناعي، إلى جانب تنفيذ مشاريع للمدن الذكية والأمن السيبراني وتطوير المنصات الرقمية للخدمات التجارية والتعليمية.

ويمتد التعاون المحتمل إلى قطاع التعليم والسياحة والثقافة، من خلال تبادل الطلبة والباحثين وتنفيذ برامج تدريب مهني متخصصة، وتعزيز السياحة المتبادلة بين البلدين عبر تسهيل الرحلات المباشرة وتطوير المشاريع السياحية المشتركة. فالتقارب الثقافي والمعرفي يشكل أساساً لتعميق العلاقات الاقتصادية على المدى الطويل.

إن هذه المشاريع المحتملة تعكس طبيعة التحول في العلاقة بين الصين والأردن من مجرد شراكة تجارية إلى شراكة تنموية متكاملة. فبدلاً من اقتصار التعاون على التبادل التجاري أو التمويل، تتجه العلاقة نحو توطين التكنولوجيا وبناء القدرات الصناعية وتعزيز الابتكار المحلي. ومن شأن هذا التحول أن يدعم أهداف التحديث الأردني عبر خلق فرص استثمار نوعية وتحسين تنافسية الاقتصاد، وفي الوقت ذاته يتيح للصين توسيع حضورها في منطقة الشرق الأوسط ضمن مقاربة قائمة على التعاون لا النفوذ.

ويفترض أن تكتسب هذه الشراكة بعداً إضافياً في ظل التحولات الاقتصادية العالمية، إذ يسعى كلا البلدين إلى تنويع الأسواق والشركاء وتقليل الاعتماد على مراكز الاقتصاد التقليدية. كما أن الاستقرار السياسي والاقتصادي الذي يتمتع به الأردن يجعله نقطة ارتكاز مهمة في المنطقة، قادرة على جذب الاستثمارات الصينية وتسهيل وصولها إلى أسواق الجوار.

إن التقاء مساري التحديث في الصين والأردن مهم جداً وعلى الحكومة الدفع باتجاه هاذا التقارب، والذي سيعكس توجهاً مشتركاً نحو التنمية المستدامة والانفتاح الاقتصادي المتوازن. لذلك يفترض أن تشهد المرحلة المقبلة توسعاً في المشاريع المشتركة التي تجمع بين التمويل الصيني والرؤية الأردنية للتنمية، بما يسهم في تحفيز النمو وتوفير نموذج ناجح للتعاون بين اقتصاد متقدم واقتصاد نامٍ.

إن مستقبل العلاقات الأردنية الصينية الاردنية يتفرض بهذه اللحظة أن يتجه نحو مرحلة جديدة أكثر عمقاً وتنوعاً، قوامها التكامل الاقتصادي والتعاون في التكنولوجيا والابتكار، والانتقال من علاقات تجارية إلى شراكة استراتيجية حقيقية تسهم في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية لكلا البلدين، وتدعم الاستقرار والنمو في المنطقة والعالم. كل ذلك يعتمد بشكل أساسي الى أي مدى نحن قادرين على استثمار هذه

العلاقات بصورة أفضل!

مدار الساعة (الرأي الأردنية) ـ