أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين مقالات مختارة أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات الموقف مناسبات جاهات واعراس مستثمرون شهادة جامعات بنوك وشركات خليجيات مغاربيات دين ثقافة رياضة اخبار خفيفة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

خميس تكتب: الملكة رانيا في ميونخ.. حين تتحدث الثقافة الأردنية بلسان ملكة


تمارا خميس

خميس تكتب: الملكة رانيا في ميونخ.. حين تتحدث الثقافة الأردنية بلسان ملكة

مدار الساعة ـ
خميس تكتب: الملكة رانيا في ميونخ..

في قاعة تعجّ بشباب من كل أصقاع الأرض، وقفت الملكة رانيا العبدالله في مؤتمر القمة في ميونخ، ليست كضيفة على منبر دولي، بل كانت لغة تمشي على الأرض، لا مجرد متحدثة باسم وطن صغير على الخريطة، بل صوتا يحمل ثقافة بلد واسع في قلبه، ضارب الجذور في التاريخ والإنسانية.

حين اعتلت المنصّة، كان حضورها امتدادا لأناقة الأردن، ورقيّه، وعمقه الأخلاقي. فكل كلمة نطقتها لم تكن خطابا سياسياً بقدر ما كانت درسا في الوعي الإنساني والضمير الذي يحمل في نبرته ثقل القيم لتدعوه إلى أن يرى ما لا يُرى، ويسمع ما لم يُسمع بعد.

ارتدت الملكة لونا اخضرا متدرجا هادئا، كأنّه تحيّة للأرض الأولى، لون الحياة حين تتشبّث بالثبات وسط ضجيجٍ يابس من الكلمات. لم يكن اختيار اللون تفصيلا بصريا فحسب، بل كان موقفا صامتا، رمزا للسلام الصبور، وللأمل الذي لا يتعالى بل يزهر بهدوء كالأرض بعد المطر،، لكن الجمال لم يكن في الإطلالة فحسب، بل في المضمون الذي تماهى معها…. جلستُ أستمع إليها وأنا أستشعر ذلك التوازن الذي ميزها دوما،،وقار الموقف، ودفء الإنسان. لم يكن خطابها منغمسا في العاطفة ولا في السياسة، بل ناضجا، صادقا، ومتماسكا في منطقه الواعي..فهي لم تنتصر لجغرافيا، بل لقيمة إنسانية مهددة بالاختناق.

في حديثها عن غزة ، لم يكن الألم مجرد عنوان. كانت تتحدث كأم ومثقفة ومواطنة عربية، تدرك أن الصمت نوع من التواطؤ والخيانة. لكنها، في الوقت ذاته، لم تنجرّ إلى الغضب، بل الى الحزم الصادق في قول ما لم يجرؤ كثيرون على قوله: إنّ الكارثة ليست فقط في الدمار، بل في التبلّد الذي أصاب العالم وهو يشاهد الدمار.

كل جملة منها كانت تحمل معنى أكبر من السياسة. فتطرقت للمعارك الخفيّة بين “أن نرى” و “أن نتجاهل”، بين من يملك الضمير ومن استبدله بالحياد. فانتقلت المعادلة من "أين المساعدة؟" إلى "لماذا لم نتدخل؟" و" لماذا لم نُعر اهتماماً؟". كان أشبه بنوع من استدعاء الضمير الجماعي. في زمن تنهمك فيه الأنظار بالأرقام والبيانات، ولا يكفي أن تعرف ، بل يجب أن نحس وشارك..

فأعادت للمنصات معناها الأصيل، وهو أن تكون منبراً للصدق لا للتصفيق.

ولذلك، لم يكن خطاب ميونخ حدثا عابرا، بل عتبة جديدة في فهمنا لما يمكن أن تكون عليه صورة الأردن في العالم. بلد صغير المساحة، واسع الأثر،، لا يصرخ، بل يُسمع،، لا يزايد، بل يضيء، و لا يشارك في الضجيج، بل يخلق لحظة الصمت التي يُصغي إليها الجميع. حيث يطل على الإنسانية بوجه أنثوي رصين،، ليقول للعالم إن الحياء ليس ضعفا، وإن الرقي لا يلغي الصلابة…

مدار الساعة ـ