أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين مقالات مختارة أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات الموقف مناسبات جاهات واعراس مستثمرون شهادة جامعات بنوك وشركات خليجيات مغاربيات دين ثقافة رياضة اخبار خفيفة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

دخان اللامسؤولية… حين يحترق الوعي خلف المقود


تغريد جميل قرقودة

دخان اللامسؤولية… حين يحترق الوعي خلف المقود

مدار الساعة ـ

مدار الساعة -بقلم: تغريد قرقودة -في لحظةٍ من السكون الرمادي، حين تتقاطع الطرق بين السرعة والتفكير، يرفع البعض سيجارة بين أصابعه كما لو كانت عصا قيادةٍ ثانية، يظنها ترفًا أو عادة، لكنها في الحقيقة شرارةٌ صغيرة تُشعل غفلةً كبيرة. إن دخان السيجارة في المركبة لا يُصاحب السائق وحده، بل يرافقه في صمته وتشتيته وانشغاله؛ يغزو تفكيره، يُعكر صفاء رؤيته، ويدخن معه قراراته دون أن يشعر.

كل دخانٍ يخرج من نافذة السيارة ليس مجرد بخارٍ يتلاشى في الهواء، بل أثرٌ نفسيٌّ على عقلٍ يحاول أن يوازن بين التفكير والسرعة. فالسيجارة حين تشتعل، تسرق شيئًا من صفاء اللحظة، تخلق ضبابًا بين السائق والطريق، بين الوعي والخطر. وما يبدو عادةً صغيرةً هو في جوهره اختزالٌ لفكرةٍ فلسفية عميقة: أن الإنسان حين يسمح لتفكيره بالتيه في تفاصيل لا ضرورة لها، يفقد بوصلته نحو السلامة، تمامًا كما يفقدها حين يلاحق دخانًا لا يُشبع ولا يُضيء. القيادة ليست مجرد تنقّل، بل تجربة وعيٍ بين الذات والاتجاه، تحتاج صفاء الذهن أكثر مما تحتاج الوقود، وتحتاج حضورًا أكثر من السرعة.

أما السيجارة الإلكترونية، فهي وجهٌ آخر للغفلة الحديثة. تحتاج إلى شحنٍ، إلى تركيزٍ، إلى اهتمامٍ بأزرارها الصغيرة وسط زحامٍ كبير. كل لحظة ينشغل فيها السائق بشحنها أو تعديلها أو البحث عنها، هي لحظة تُخطف فيها العيون من الطريق، وكأنها استراحةٌ قصيرة من الوعي، لكنها قد تكون الأخيرة.

إن القيادة مسؤولية لا تحتمل الانشغال، ولا تقبل التهاون. فالدخان لا يلوث الهواء فحسب، بل يلوّث الإدراك، يُغطي مرآة الوعي بطبقةٍ من اللامبالاة، ويجعل من الطريق ساحةً بين الحياة والعبث. ومن المؤلم أن بعض الحوادث تبدأ بنفخةٍ وتنتهي بندمٍ لا يُطفأ.

النصيحة؟

دع السيجارة تنتظر، ودَع الطريق يكون مساحة تفكيرٍ نقيّة. فالانشغال بوهجٍ صغير قد يُطفئ نورًا كبيرًا، والهدوء خلف المقود هو أسمى درجات النضج والمسؤولية.

وفي الختام، لا شيء أشد حُرقة من إنسانٍ أشعل سيجارة ليهدئ توتره، فأوقد بها شرارة الفقد.

فلتنطفئ السيجارة قبل أن تنطفئ الأرواح، ولتبقَ الطرق نقيّة كما خُلقت…

فالحياة ليست بحاجة إلى دخانٍ جديد، بل إلى وعيٍ يُنقذها من رماد الغفلة.

مدار الساعة ـ