أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات وظائف للأردنيين أحزاب مجتمع أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة جاهات واعراس مستثمرون شهادة الموقف مناسبات جامعات بنوك وشركات خليجيات مغاربيات دين اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

عبدالرحيم البقاعي يكتب: حتى في الموت... هناك ازدواجية المعايير...


المهندس عبد الرحيم البقاعي
عين سابق عضو المكتب التنفيذي للهلال الأحمر الأردني

عبدالرحيم البقاعي يكتب: حتى في الموت... هناك ازدواجية المعايير...

 المهندس عبد الرحيم البقاعي
المهندس عبد الرحيم البقاعي
عين سابق عضو المكتب التنفيذي للهلال الأحمر الأردني
مدار الساعة ـ

كيف تتعرف إسرائيل على جثثها بسهولة ويعجز الغزيون عن وداع ذويهم؟

في كل حربٍ على غزة، يظهر مشهدان متناقضان يلخّصان مأساة العدالة الإنسانية في هذا العالم:

في إسرائيل، تُحدَّد هوية القتلى في غضون ساعاتٍ أو أيام، وتُسَلَّم الجثامين إلى العائلات بدقة متناهية.

أما في غزة، فآلاف الشهداء يُدفنون تحت التراب بلا أسماء، لأن التعرّف عليهم أصبح شبه مستحيل.

هذه ليست صدفة، بل نتيجة فوارق هائلة في الإمكانات، والبنية التحتية، والدعم الدولي، والاهتمام بالقيمة الإنسانية.

كل جندي إسرائيلي يخضع مسبقًا لأخذ عينات DNA وصور دقيقة وسجلات سنّية وبصمات تُخزَّن في مركز معهد الطب الشرعي الإسرائيلي أبو كبير في تل أبيب... الذي يُعد من أكثر المراكز تطورًا في المنطقة.

و لدى إسرائيل بنية تحتية طبية منظمة و

تمتلك شبكة من المشارح المجهزة وغرف التبريد والمختبرات الجنائية المتصلة رقمياً بوزارة الدفاع ووزارة الداخلية....

في غزة، الفقدان ليس موتًا عاديًا. إنه غياب الاسم، الوجه، والجسد الكامل. إنه حسرة لا توصف، عويل لا ينتهي، ودموع لا تتوقف عندما يرى الناس جثث شهدائهم وقد قست عليها ايادي الغاصبين المجرمين لا لشيء الا لأنهم فلسطينيون يرنون إلى التحرر و بناء دولة تحتضنهم ليكون تكسير العظام و الجماجم و الأطراف و انتزاع القلب من داخل الجسد فلا توجد قطرة دم واحدة يمكن أن تقود إلى هذا الشهيد او ذاك...

إسرائيل بطشت في كل شيء و نكلت الأسرى و حرقت قلوب الناس و داست و مزقت ميثاق الأمم المتحدة.. وشطبت ما كان يعرف الحريات و الديمقراطية وحقوق الإنسان...

لماذا يصعب التعرف على جثث الشهداء في غزة...

هناك دمار شامل للمرافق الصحية...

أكثر من 90/من المستشفيات والمشارح والمختبرات في غزة خرجت عن الخدمة بسبب القصف المباشر أو نقص الوقود.

معظم الجثامين تُنقل إلى مرافق مؤقتة لا تتوافر فيها شروط الحفظ أو الفحص.

و تحلل الجثث السريع

انقطاع الكهرباء يمنع تشغيل ثلاجات التبريد، ومع ارتفاع الحرارة وكثرة الضحايا، تتحلل الجثث خلال ساعات، فيستحيل التعرف عليها لاحقًا.

و هناك العدد الهائل من الضحايا... والتوثيق شبه مستحيل تحت القصف المستمر فضلا عن فقدان الوثائق والسجلات المدنية وسجلات المستشفيات تضررت ومع النزوح الجماعي وفقدان الهواتف والمستندات يصعب ربط الجثث بالهويات بدقة.

في غزة

تُدفن الجثامين في مقابر جماعية دون معرفة الأسماء، حفاظًا على الصحة العامة ومنع التحلل، مع وضع أرقام أو رموز بديلة، على أمل التعرف لاحقًا غير أن كثيرًا من هذه المواقع تُقصف لاحقًا أو تُغلق دون تسجيل دقيق.

يجلس الأب أو الأم أمام ما تبقّى من أحبائهم، بقايا صغيرة من الجسد.. إصبع، ضرس، أو حتى بقعة دم، ويحدق فيها بلا حول ولا قوة، وكأن الزمن توقف حوله. كل حركة، كل لمسة، تحمل سؤالًا واحدًا: هل هذا ابني؟ هل هذه زوجتي؟ هل هذا هو؟

في كل زاوية، يتصاعد صراخ وعيون تفيض دموعًا بلا توقف. الأمهات تئنّ بصوت مكتوم ثم يتحول إلى عويل، الأب يمسك بيده ما تبقى من فلذة كبده، يتأمل في الركام والدماء، محاولًا استحضار صورة لم يعد لها وجود كامل. الأطفال يركضون بين الركام باكين، غير قادرين على التعرف على إخوتهم أو والديهم، بينما يمتزج بكاؤهم بعويل الأمهات وصراخ الأب.

الحسرة تتضاعف حين لا يستطيع الأب أو الأم معرفة جسد أحبائهم، وكل شيء يبدو مشوّهًا، متفحمًا، متحللًا بفعل القصف والحرارة. العيون تبحث عن أي علامة: قطعة ثوب، سوار، حذاء صغير، أو شعر متبقي. كل شيء يُمسك بأطراف الأصابع، وكل لحظة ألم تصبح شهادة على فقدان الهوية والوداع الأخير.

الزوجة تبحث عن زوجها، تحاول معرفة ما تبقى منه، تحسّ باليد، بالكتف، بالأثر الصغير على الملابس أو الركام، ولكن الدمار جعل كل شيء مجهولًا. الأب يبحث عن ابنه، والأم عن ابنتها، والزوجة عن زوجها، ولا يجدون سوى قطع صغيرة من جسد لم يعد يمكن التعرف عليه.

ما تبقى هو الانتظار المؤلم، الصمت الممزوج بالصرخات، والقلوب التي تعرف الحقيقة لكنها عاجزة عن التحقق منها.

في غزة، الفقدان ليس موتًا عاديًا. إنه غياب الاسم، الوجه، والجسد الكامل. إنه حسرة لا توصف، عويل لا ينتهي، ودموع لا تتوقف، حيث يبقى الحزن حاضرًا في كل زاوية، والوداع الأخير مؤجلًا بلا أمل.

مدار الساعة ـ