المؤسسة الاستهلاكية العسكرية تمثل اليوم نموذجًا اقتصاديًا متكاملًا في الإدارة الرشيدة والحوكمة الفاعلة، بعد أن كانت قبل أعوام قليلة تعاني من اختلالات مالية وهيكلية جعلتها ضعيفة التأثير في النشاط التجاري.
لكن ما حدث خلال السنوات الخمس الماضية شكّل تحولًا جوهريًا في أدائها، ليجعلها واحدة من أنجح المؤسسات الوطنية التي استطاعت أن تجمع بين البعد الاجتماعي والجدوى الاقتصادية في آنٍ واحد.فقد انتقلت المؤسسة من حالة العجز إلى تحقيق أرباح تشغيلية متنامية، بفضل إصلاح إداري عميق أعاد ترتيب أولوياتها، ووجّه مواردها نحو الاستثمار في الكفاءة والإنتاجية، فالإدارة الجديدة وضعت أسسًا حقيقية للتنمية المؤسسية، من خلال إعادة هيكلة عمليات التوريد، وتنويع قاعدة الموردين، وتطوير آليات التسعير بما يضمن تحقيق التوازن بين الكلفة والهامش التجاري، والنتيجة كانت ارتفاعًا ملحوظًا في الإيرادات وتحسنًا في نسب الربحية، إلى جانب تعزيز رأس المال الاجتماعي من خلال كسب ثقة المواطنين.توسعت المؤسسة في انتشارها الجغرافي لتغطي كافة محافظات المملكة، من خلال أكثر من 100 سوق دائم، إلى جانب أسواق متنقلة تصل إلى القرى والمناطق النائية، مما جعلها لاعبًا اقتصاديًا ذا بعد تنموي واجتماعي في الوقت ذاته.كما ارتفعت نسبة المنتجات المحلية في فروعها إلى نحو 70 %، الأمر الذي جعلها منصة رئيسة لتصريف الإنتاج الوطني ودعم الصناعات الأردنية الصغيرة والمتوسطة، وتعاملها مع أكثر من 250 مورّدًا محليًا يؤكد دورها في تنشيط الدورة الاقتصادية الداخلية وتعزيز الترابط القطاعي بين الصناعة والتجارة والخدمات اللوجستية.اقتصاديًا، استطاعت المؤسسة أن تحقق كفاءة تشغيلية عالية عبر تقليص التكاليف الثابتة والمتغيرة، وتطبيق معايير محاسبية وإدارية دقيقة، دون الاعتماد على أي دعم مالي مباشر أو إعفاءات حكومية.وهي اليوم تعمل ضمن بيئة تنافسية كاملة، مما يجعل تفوقها ناتجًا عن الكفاءة لا الامتيازات، كما أن سياسة التسعير التي تتبعها أسهمت في ضبط الأسواق وحماية المستهلك، حيث تقل أسعارها عن متوسط السوق بنسبة تتراوح بين 18 و20 %، مما أوجد تأثيرًا انكماشيًا معتدلًا على مستويات الأسعار العامة في قطاع السلع الأساسية.ويُضاف إلى ذلك أن المؤسسة تمارس دورًا اقتصاديًا محوريًا في تحقيق الأمن الغذائي الوطني، من خلال ضمان تدفق السلع الأساسية بجودة عالية واستقرار الأسعار في جميع الظروف، تنفيذًا لتوجيهات القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية.وهذا الدور الاقتصادي والاجتماعي المتوازن جعلها إحدى أدوات الاستقرار في السوق المحلي، ورافعة لثقة المستهلك في المنتج المحلي والمؤسسة الوطنية.إن تجربة المؤسسة الاستهلاكية العسكرية تُعدّ نموذجًا تطبيقيًا لمفهوم "الإصلاح عبر الإدارة"، حيث أثبتت أن المشكلات المزمنة في المؤسسات العامة ليست مالية بقدر ما هي إدارية.لقد تمكنت من تحويل تحدياتها إلى فرص، وأصبحت مثالًا على كيفية تحقيق النمو المستدام دون تحميل الموازنة العامة أي أعباء إضافية، فهذه التجربة تستحق التعميم على مؤسسات القطاع العام كافة، إذ برهنت أن الحوكمة والانضباط والقيادة الفاعلة قادرة على تحويل أي مؤسسة خاسرة إلى كيان اقتصادي ناجح ومؤثر في التنمية الوطنية.'الاستهلاكية العسكرية'.. أنموذج الإدارة الناجحة
مدار الساعة (الغد الأردنية) ـ