مدار الساعة -إذا أحببت رجلاً صالحاً فهل يدخل هذا ضمن رجلان تحابا في الله؟
الجواب:الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:أولا:إذا أحببتَ شخصًا في الله لصلاحه، وهو لا يعرفك، فإن لك أجر محبتك له؛ لأن ذلك من عمل القلب، بل ذلك من أعلى شعب الإيمان.وهذه المحبة دل على فضيلتها حديث، بل أحاديث أخرى، سوى المذكور في السؤال:روى البخاري (16) ومسلم (43) عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ.وقد ترجم عليه البخاري في "صحيحه": بَابُ الْحُبِّ فِي اللهِ. صحيح البخاري (8/ 14).وقال رحمه الله، أيضا، في أول "كتاب الإيمان" من "صحيحه": وَالْحُبُّ فِي اللهِ وَالْبُغْضُ فِي اللهِ مِنَ الْإِيمَانِ. انتهى، "صحيح البخاري" (1/ 11).قال الوزير العالم ابن هبيرة، رحمه الله: لما كان الآدمي قد يستدعي حبه آدميًا آخر أشياء كثيرة، ما بين اجتلاب نفع أو دفع ضرر، أو لحمة نسب، أو حسن صورة أو غير ذلك، وكان المؤمن إذا أحب مؤمنًا آخر لا لشيء مما ذكرناه؛ بل لأجل أنه مؤمن بالله سبحانه وتعالى، كان معدودًا من خصال الإيمان. "الإفصاح عن معاني الصحاح" (6/ 387).وقال ابن بطال، رحمه الله: «فإن قال قائل: فأخبرنا عن الحب فى الله والبغض فيه أواجب هو أم فضل؟قيل: بل واجب، وهو قول مالك.فإن قيل: وما الدليل على ذلك؟قيل: ما رواه الأعمش عن أبى صالح، عن أبى هريرة قال: قال رسول الله: (والذى نفسى بيده لاتدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على أمر إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم).وما أمرهم النبي فعليهم العمل به. ألا ترى أنه أقسم عليه السلام، جهد النية، أن الناس لن يؤمنوا حتى يتحابوا، ولن يدخلوا الجنة حتى يؤمنوا؟!فحقٌّ على كل ذى لبٍّ: أن يُخلص المودة والحب لأهل الإيمان؛ فقد روى عن النبى صلى الله عليه وسلم : (أن الحب في الله، والبغض في الله: من أوثق عرى الإيمان) ، من حديث ابن مسعود والبراء.وروى عن ابن مسعود قال: (أوحى الله إلى نبي من الأنبياء: أن قُل لفلان الزاهد: أما زهدك في الدنيا؛ فتعجلت به راحة نفسك. وأما انقطاعك إلي؛ فقد تعززت بى. فماذا عملت فيما لي عليك؟ قال: يارب وما لك علي؟ قال: هل واليت في وليًا؟ أو عاديت في عدوًا)؟ ». انتهى، من "شرح صحيح البخاري" لابن بطال (9/ 238).وقال ابن رجب، رحمه الله: "والحب في الله من أصول الإيمان وأعلى درجاته. «وفي " المسند " عن معاذ بن أنس الجهني أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن أفضل الإيمان؟ فقال: أن تحب لله، وتبغض لله، وتُعمل لسانك في ذكر الله ".وفيه - أيضا - عن عمرو بن الجموح، عن النبي صلى الله عليه وسلم: لا يحق العبد حق صريح الإيمان، حتى يحب لله ويبغض لله. فإذا أحب لله، وأبغض لله؛ فقد استحق الولاية من الله". وفيه: عن البراء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أوثق عرى الإيمان: أن تحب في الله، وتبغض في الله).وخرج الإمام أحمد، وأبو داود عن أبي ذر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أفضل الأعمال: الحب في الله والبغض في الله).ومن حديث أبي أمامة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله: فقد استكمل الإيمان). وخرجه أحمد، والترمذي من حديث معاذ بن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم وزاد أحمد في رواية " وأنكح لله.وإنما كانت هذه الخصلة تالية لما قبلها، لأن من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، فقد صار حبه كله له.ويلزم من ذلك: أن يكون بغضه لله، وموالاته له، ومعاداته له، وأن لا تبقى له بقية من نفسه وهواه.وذلك يستلزم: محبة ما يحبه الله من الأقوال والأعمال، وكراهة ما يكرهه من ذلك، وكذلك من الأشخاص.ويلزم من ذلك: معاملتهم بمقتضى الحب والبغض، فمن أحبه لله: أكرمه، وعامله بالعدل والفضل. ومن أبغضه لله: أهانه؛ بالعدل.ولهذا وصف الله المحبين له بأنهم أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لآئم [المائدة: 54] .وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: (أسألك حبك، وحب من يحبك، وحب عمل يبلغني إلى حبك).فلا تتم محبة الله ورسوله: إلا بمحبة أوليائه، وموالاتهم، وبغض أعدائه، ومعاداتهم.وسئل بعض العارفين: بمَ تُنال المحبة؟قال: بموالاة أولياء الله، ومعاداة أعدائه، وأصله الموافقة». انتهى، من "فتح الباري لابن رجب" (1/ 55-56).وقال ابن رجب، رحمه الله، أيضا: " وكذلك حبُّ الأشخاص: الواجب فيه أنْ يكون تَبعاً لما جاء به الرسولُ صلى الله عليه وسلم.فيجبُ على المؤمن: محبةُ الله، ومحبةُ من يحبه الله، من الملائكة والرسل والأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين، عموماً.ولهذا كان مِنْ علامات وجود حلاوة الإيمان: أنْ يُحِبَّ المرءَ، لا يُحبُّه إلا لله.ويحرمُ موالاةُ أعداءِ الله، ومن يكرهه الله عموماً، وقد سبق ذلك في موضع آخر.وبهذا يكونُ الدِّينُ كلُّه لله.و: من أحبَّ لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله= فقد استكمل الإيمان.ومن كان حُبُّه وبُغضه وعطاؤه ومنعه: لهوى نفسه؛ كان ذلك نقصاً في إيمانه الواجب. فيجب عليه التَّوبةُ من ذلك، والرُّجوع إلى اتِّباع ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، من تقديم محبة الله ورسوله، وما فيه رضا الله ورسوله على هوى النفوس ومراداتها كلها". انتهى، من جامع العلوم والحكم (ص828 ت الفحل).ثانيا:أما ما رواه أَبِو هُرَيْرَةَ رضَيَ اللّه عنه: أن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: ... وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ". رواه البخاري (660)، ومسلم (1031).فالأصل في هذه الفضيلة، والخُلة الرفيعة: أن تكون بين شخصين تبادلا المحبة في الله، فاجتمعا عليه وتفرقا عليه، أي أن العلاقة بينهما كانت قائمة على المحبة الإيمانية المتبادلة، المفضية إلى اللقاء، والتناصح، والتعاون على البر والتقوى.ومعنى: " اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ" : "أي: اجتمعا على حب الله، وافترقا على حب الله؛ أي كان سبب اجتماعهما حب الله، واستمرا على ذلك حتى تفرقا من مجلسهما، وهما صادقان في حب كل واحد منهما صاحبه لله تعالى، حال اجتماعهما وافتراقهما" "شرح النووي على مسلم" (7/ 121).على أنه إذا بذل أحد الصاحبين ما ندبه الشرع إليه من الحب في الله، والقيام بحق أخيه، ثم لم يكن صاحبه كذلك= فإن المتأدب بأدب الشرع، الباذل لما عنده من المحبة في الله: يرجى له أن ينال هذه المنزلة الرفيعة، وأن يظله الله في ظله؛ لأن بذل ما عنده من الخير، وليس مسؤولا عن عمل صاحبه.قال الوزير ابن هبيرة، رحمه الله: «وأما الرجلان المتحابان في الله عز وجل:فإنهما يُعرفان بأن يُنظر إلى الجامع بينهما؛ وأنه ليس عن قرابة تُرعى، ولا عن رحم تُبَلُّ، ولا عن تجارة تَضم، ولا عن سفر يَجمع، ولا عن دنيا تُرب، ولا عن خِدمة مخدوم تَجمع؛ بل حب لله عز وجل. يَعرف هذا من هذا حبَّه لله، ويعرف هذا من هذا حبَّه لله، فيتحابا في الله؛ من حيث إنهما إذا اجتمعا: تذاكرا ذلك، وأفاضا فيه، وتعاوداه، وتهاديا ادِّكاره؛ فاجتمعا على ذلك إذا اجتمعا، وافترقا على ذلك إذا افترقا؛ فكانا من المتحابين في الله عز وجل.فإن اتفق أن يكونا نسيبين، لكل واحد منهما في حب الله عز وجل معاملة، من صلة الرحم منه: فذلك أفضل.فإن كان أحدهما يحب الآخر في الله عز وجل، بحسب ما ظهر له من أمارات حب الله، فلم يكن باطن الآخر على ما كان عليه ظاهره= أثاب الله المخلص، ولم يأخذه بجريرة الغال!!"."الإفصاح عن معاني الصحاح" (6/ 236).والله أعلم.ليس بالضرورة! هل تقبل محبة الله الأجر من طرف واحد؟.. سر الثواب في 'الحب من أجله'
مدار الساعة ـ











