أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات مجتمع وظائف للأردنيين أحزاب أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة جاهات واعراس مستثمرون شهادة الموقف مناسبات جامعات بنوك وشركات خليجيات مغاربيات دين اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

الأردن بين العاصفة والتحولات الكبرى


مالك العثامنة

الأردن بين العاصفة والتحولات الكبرى

مدار الساعة (الغد الأردنية) ـ

المنطقة لا تمر بمرحلة عابرة، بل بعاصفة طويلة يعاد فيها تشكيل الموازين والخرائط، هذه العاصفة ليست فقط في غزة أو الجنوب اللبناني أو الشمال السوري، بل تشمل الاقتصاد العالمي وسلاسل الامداد والتحالفات العسكرية والتجارية، وفي قلب هذه الحركة المعقدة يقف الأردن أمام سؤال واضح لكنه كبير: كيف نحمي الاستقرار الداخلي ونحوّله إلى منصة لبناء الفرص بدل انتظار هدوء لن يأتي قريبا؟

تاريخيا عرف الأردن كيف يقف في منتصف العاصفة دون أن يفقد توازنه، وحافظ على مرونة سياسية ودبلوماسية محسوبة، وأدار أمنه بقدر عال من الاحتراف، هذا النموذج وفّر للأردن استقرارا نسبيا في محيط شديد التقلب، لكن المرحلة الحالية تفرض إضافة عنصر جديد لهذا النموذج، وهو التعامل مع الاقتصاد كجزء من معادلة الأمن لا كقطاع منفصل عنه.

المشهد الإقليمي يتشكل على خطوط توتر مفتوحة، غزة في حالة انسداد سياسي طويل، لبنان على حافة اتساع دائرة الاشتباك، البحر الأحمر يواجه اضطرابا مستمرا في خطوط الملاحة، وسوريا والعراق ما زالا ينتجان اقتصاد ظل وتهريب يضغطان على الحدود الأردنية، وبين هذه الخطوط تتغير علاقة السعودية وإيران، ويتبدل ميزان النفوذ في الخليج، ويعاد رسم نفوذ القوى الكبرى عبر ممرات الطاقة والتجارة.

أما على المستوى الدولي، فالعالم يتجه نحو صراع على الممرات لا على الجيوش، الولايات المتحدة تعيد أولوياتها، أوروبا ترفع خطابا حقوقيا دون قدرة تنفيذية كبيرة، والصين والهند تدخلان من بوابة التجارة والبنية التحتية، من يملك الممر يصبح فاعلا، ومن يكتفي بالانتظار يتحول إلى محطة عبور.

هنا يصبح الاقتصاد أداة سياسة خارجية بامتياز، فالقدرة على تقديم طاقة صناعية بكلفة مستقرة هي ورقة تفاوض إقليمية، والقدرة على إدارة معابر وحدود بكفاءة هي عنصر نفوذ في علاقات الجوار، والسياحة العلاجية والدينية ليست قطاع خدمات فقط، بل شبكة علاقات وسمعة ووزن ناعم، وحتى التدريب المهني يتحول إلى أداة نفوذ عندما يرتبط بأسواق تشغيل في الخليج والعراق بدل أن يبقى سجينا داخل الحدود.

الأردن يحتاج خلال العام القادم إلى خمس رافعات عملية، لوجستيات ومعابر أكثر سرعة وكفاءة، اتفاقيات طاقة مرنة للصناعات المنتجة، سياحة عالية القيمة لا تعتمد على المواسم، ربط التدريب المهني مباشرة باحتياجات دول الجوار، وتسريع مشاريع الأمن المائي عبر الناقل الوطني وتقليل الفاقد، هذه خطوات قابلة للقياس لا للشعار، ويمكن تتبع أثرها في كلفة شاحنة، وفاتورة كهرباء، ونسبة إشغال فندقي خارج الذروة.

الخلاصة أن الخروج من العاصفة لا يكون بالصوت المرتفع، بل بالجمع بين صلابة أمنية وحركة اقتصادية مدروسة، الدور الإقليمي لا يمنح لأحد، الدور يصنع ويثبت بالعمل، والأردن قادر على ذلك إذا تحرك بثقة وهدوء ووضوح رؤية.

مدار الساعة (الغد الأردنية) ـ