أتمنى أن يصل هذا الكلام إلى أصحاب القرار المعنيين بهذا الملف، لأنني أكتب باسم أبناء محافظة الكرك الذين انتظروا طويلاً وملّوا من تكرار ذات الوعود منذ أكثر من خمسةٍ وعشرين عامًا، دون أن يروا على أرض الواقع مشروعًا ينهي معاناتهم المزمنة مع غياب شبكة الصرف الصحي.
في كل عام يتجدد الحديث عن هذا الملف، وفي كل زيارة لمسؤول أو إعلان لمشروع، يتجدد الأمل في نفوس الناس بأن التنفيذ بات قريبًا، لكن سرعان ما يخبو الأمل أمام واقعٍ لم يتغير منذ التسعينات وحتى اليوم.أجيال وُلدت وترعرعت في مناطق المرج، والرابية، والثنية، ومنشية أبو حمور، وعدد من التجمعات السكانية الأخرى، وهي تسمع ذات الجملة: “المشروع قيد الدراسة” أو “قريبًا سيتم التنفيذ”. ومع مرور السنين، أصبحت تلك الجملة عنوانًا للتأجيل أكثر من كونها وعدًا بالإنجاز.اليوم، وبعد ربع قرن من الانتظار، لم يعد الصمت خيارًا، ولم يعد من المقبول أن تبقى هذه المناطق خارج نطاق الخدمة، في وقتٍ وصلت فيه شبكات الصرف الصحي إلى مناطق أقل كثافة سكانية وأحدث نشأة.الكرك التي خرج من رحمها رجال الدولة والمثقفون، واحتضنت مؤسسات وطنية مهمة، لا يمكن أن تبقى محرومة من أبسط الخدمات التي تُشكّل أساس الحياة الكريمة.ما يعيشه الأهالي اليوم ليس مجرّد انزعاجٍ مؤقت، بل معاناة يومية متكررة مع حلول بدائية مؤقتة أثقلت كاهلهم.الكثير من الأسر تضطر إلى تفريغ الحفر الامتصاصية كل فترة قصيرة، ما يشكّل عبئًا ماليًا إضافيًا، ناهيك عن الإزعاج والمشقة التي تصاحب ذلك.المشكلة لا تتعلق بالمال فقط، بل بالإحساس أن الوقت يمضي والمكان في مكانه، وكأن الوعود القديمة سُجلت للتاريخ لا للتنفيذ.إننا حين نتحدث اليوم عن ملف الصرف الصحي في الكرك، فإننا لا نتحدث عن ترفٍ عمراني، بل عن حقٍّ خدميٍ أساسيٍ تأخر كثيرًا.ومهما كانت المبررات، فإن مرور أكثر من ربع قرن على هذا الملف دون حسمه يُعد مؤشرًا يحتاج إلى وقفة مراجعة حقيقية، فالمسؤولية في النهاية ليست شعارات ولا خططًا مكتوبة، بل نتائج ملموسة يشعر بها الناس في حياتهم اليومية.لقد كان أبناء الكرك دائمًا على قدر الانتماء والالتزام، يقفون خلف الدولة في كل المواقف، مؤمنين بالمؤسسات وثقة القيادة، وهم لا يكتبون اليوم من باب الشكوى أو التقصير، بل من باب المحبة والانتماء، والرغبة الصادقة بأن تُنصف محافظتهم بما يليق بتاريخها ومكانتها.الكرك ليست مدينة عادية، بل ذاكرة وطنية حية تحمل من الإرث ما يجعلها عنوانًا للثبات والعطاء. ولهذا، فإن أبناءها لا يطالبون بالمستحيل، بل يطالبون بأن يُترجم ما قيل خلال السنوات الماضية إلى عمل فعلي يغيّر هذا الواقع.فقد سمعوا عن دراساتٍ، وموازناتٍ، ومراسلاتٍ، ومراحل طرحٍ لمناقصات، لكن كل تلك التفاصيل بقيت في إطار الحديث، دون أن تُترجم إلى مشروعٍ قائمٍ يخدم الناس.لقد حان الوقت أن يتحول هذا الملف إلى أولوية وطنية حقيقية، وأن يُنظر إليه بوصفه قضية كرامةٍ للمكان والإنسان، لا مجرد بندٍ إداري مؤجل.فكل يومٍ يمرّ من دون حلٍّ هو يومٌ يضاف إلى عمر المعاناة التي طالت أكثر مما ينبغي.ربع قرن من الانتظار كافٍ.والكرك اليوم لا تحتاج إلى مزيدٍ من الخطط أو الاجتماعات، بل إلى قرارٍ واحدٍ جادّ وشجاع يفتح الباب للتنفيذ، ويضع حدًا لسلسلة التأجيلات التي أرهقت الناس وأضعفت ثقتهم بجدوى الوعود.ولعل هذا المقال يكون رسالة صادقة إلى المسؤولين عن هذا الملف:نوجه هذا النداء باسم الأهالي جميعًا:إن الوقت لم يعد يتسع للمزيد من الحديث، والمواطن لم يعد يطلب أكثر من أن يرى بداية حقيقية للمشروع، وخطة تنفيذ معلنة بزمنٍ واضح ومتابعةٍ ميدانية.إن البدء بالمشروع اليوم لن يكون مجرد استجابة لمطلب خدمي، بل تصحيحٌ لمسارٍ تأخر طويلًا، وإنصافٌ لأهالي المحافظة الذين صبروا وآمنوا بأن الإنصاف قادم لا محالة.وفي النهاية، يبقى الأمل أن يأتي اليوم الذي نكتب فيه لا لنطالب أو نذكّر، بل لنشكر ونُبارك بدء التنفيذ، ونقول بفخر:أخيرًا.. وُفي بالوعد.القرالة يكتب: الصرف الصحي في الكرك.. وعود منذ ربع قرن لم تكتمل
مدار الساعة ـ