أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس تبليغات قضائية الموقف مناسبات جاهات واعراس مستثمرون شهادة جامعات دين بنوك وشركات خليجيات مغاربيات ثقافة رياضة اخبار خفيفة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

الزيود يكتب: الأردن ممر بيانات رقمي يربط الخليج بالعالم


د. خلف ياسين الزيود
نائب أردني سابق عضو المكتب السياسي لحزب عزم

الزيود يكتب: الأردن ممر بيانات رقمي يربط الخليج بالعالم

د. خلف ياسين الزيود
د. خلف ياسين الزيود
نائب أردني سابق عضو المكتب السياسي لحزب عزم
مدار الساعة ـ

في عصر أصبحت فيه البيانات هي الثروة الجديدة، والمعرفة هي الطاقة التي تحرك الاقتصادات، يبرز مفهوم ممرات البيانات كأحد أهم أشكال القوة الناعمة والتأثير الجيواقتصادي في العالم الحديث، اليوم لم تعد الدول تتنافس فقط على النفط أو الغاز، بل على القدرة على استضافة البيانات ونقلها وتخزينها بأمان وسرعة، ومن هنا تبرز فكرة مشروع الربط الرقمي الإقليمي الذي يمكن أن يجعل من الأردن محوراً رئيسياً لتدفق البيانات بين الخليج العربي وسوريا وتركيا وأوروبا وبالتعاون مع السعودية ومصر.

الفكرة تقوم على إنشاء ممر بيانات استراتيجي يمر عبر الأراضي الأردنية، يربط الشرق بالغرب، والخليج بالمتوسط، ليحول الاردن إلى مركز تبادل بيانات (Data Exchange Hub) إقليمي.

هذا المشروع لا يقاس فقط بالبنية التحتية من كوابل وألياف ضوئية، بل بما يمثله من نقلة في مفهوم الجغرافيا الاقتصادية الحديثة، من الجغرافيا السياسية إلى جغرافيا رقمية تحدد فيها مكانة الدول بقدرتها على التحكم في تدفق المعلومات، وتأمينها، واستثمارها.

ولما كان الأردن نقطة توازن واستقرار سياسي في المشرق العربي، وممراً للتجارة التقليدية بين آسيا وأوروبا فانه اليوم يمكن أن يتحول إلى ممر للثروة الرقمية، فموقع الاردن يجعله صلة وصل طبيعية بين الأسواق الخليجية الغنية بالاستثمارات الرقمية، والأسواق الأوروبية والتركية المتقدمة تقنياً.

وكما أن موقع العقبة البحري يعطي الاردن منفذ حيوي للربط مع الكابلات البحرية القادمة من مصر عبر البحر الأحمر، مما يجعل التعاون الثلاثي بين الأردن والسعودية ومصر ركيزة أساسية لإنجاح المشروع، حيث ان السعودية تشهد في السنوات الأخيرة استثمارات ضخمة في البنية التحتية الرقمية ومراكز البيانات، ضمن رؤية 2030 التي تضع التحول الرقمي في قلب الاقتصاد الوطني وكذلك فان مصر تمتلك خبرة كبيرة في إدارة الكابلات البحرية العابرة للبحر لأحمر والمتوسط.

وهنا استشهد بالمشروع الأردني Aqaba Digital Hub والذي افتتحه سمو ولي العهد في العقبة الشهر الماضي، وهو مشروع رقمي متكامل ويعد من أكبر مراكز البيانات والبنى التحتية في المنطقة، ويحتوي على محطة انزال كوابل بحرية تعمل بسياسة open access)).

إن دمج هذه القدرات مع موقع الأردن واستقراره السياسي يشكل مثلث قوة رقمية قادر على بناء ممر بيانات آمن، سريع، ومؤمّن ضد الانقطاعات، ممر يخدم ليس الدول الثلاث، بل العالم أجمع عبر توفير بدائل لمسارات البيانات التقليدية المزدحمة أو المعرضة للمخاطر في مناطق أخرى، وهنا فان الأردن يتمتع بمناخ معتدل يقلل من كلفة تشغيل مراكز البيانات، إضافة إلى استقراره في الكهرباء والطاقة المتجددة.

بناء مراكز بيانات ضخمة في الأردن يعني خلق وظائف نوعية، واستقطاب شركات تكنولوجية عالمية، وتأسيس اقتصاد مستدام قائم على المعرفة والطاقة النظيفة والأمن السيبراني، ان العالم اليوم يعيد رسم خرائطه بالبيانات، لا بالحدود، ومن يملك القدرة على ربط تدفقات البيانات، يمتلك مفتاح المستقبل الاقتصادي السياسي.

الأردن اليوم أمام فرصة تاريخية ليتحول من جسر جغرافي إلى قلب رقمي نابض للمنطقة، إن مشروع ممر البيانات ليس فكرة تكنولوجية فقط، بل رؤية وطنية تعيد تعريف القوة والثروة، وتضع الأردن في مكانه الطبيعي في قلب الشرق الأوسط الجديد مركز المعرفة، والطاقة، والتوازن.

مدار الساعة ـ