أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة الموقف مناسبات جاهات واعراس مستثمرون شهادة جامعات بنوك وشركات خليجيات مغاربيات دين رياضة اخبار خفيفة ثقافة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

الخوالدة يكتب: السموع.. صرخة الكرامة الأولى


د. زيد احسان الخوالدة

الخوالدة يكتب: السموع.. صرخة الكرامة الأولى

مدار الساعة ـ

في صباحٍ من تشرين الثاني عام 1966، دوّت في الجنوب نيران المعركة، وتحوّلت قرية السموع إلى ميدانٍ يختبر فيه التاريخ إرادة الأردنيين وصلابتهم.

كانت تلك اللحظة التي واجه فيها الجيش العربي أكبر عدوان إسرائيلي بعد العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، عدوانًا هدفه كسر العزيمة العربية وإشعال الطريق نحو القدس.

لكنّ الأردن كان هناك، يقف كالطود، يذود عن الكرامة بدمٍ لا يعرف التراجع.

مع الفجر، اخترقت القوات الإسرائيلية خطوط الهدنة بغطاء جوي كثيف. رتلٌ تقدّم نحو السموع، وآخر بعيدا لخداع القوات الأردنية.

لكنّ القادة قرأوا الميدان بعين البصيرة، فأرسلوا طلائع الجيش العربي التي واجهت العدو وجهًا لوجه، في ملحمةٍ رسمت بدماء الشهداء ملامح الكبرياء الأردني.

قائد اللواء العميد بهجت المحيسن كان في مقدمة الصفوف، يقاتل كجندي لا كقائد. أصيب في المعركة لكنه ظلّ يقود رجاله حتى النهاية.

وفي السماء، ارتفعت طائراتنا الأربع من طراز هوكر هنتر لتشتبك مع أسراب العدو.

هناك، كان الشهيد الطيار موفق السلطي يكتب بدمه مجد الطيران الأردني، يقاتل حتى الرمق الأخير، يُسقط طائراتهم قبل أن يسقط هو شهيدًا في سماء العز.

أما في الأرض، فقد سطر الرائد محمد ضيف الله الهباهبة مشهدًا خالدًا في تاريخ الرجولة.

أمر مرافقيه بالابتعاد، وحين نفدت ذخيرته، قاتل بمسدسه، ثم بخنجره، حتى سقط شهيدًا في قلب القرية التي أحبّها.

ذلك المشهد لا يُنسى… رجل يقف وحده في وجه جيش، لأن قلبه كان أكبر من المعركة.

ارتفعت صيحات الجنود: الله أكبر… للأردن… لفلسطين!

كان الميدان نارًا وبارودًا وإيمانًا. دُحرت القوات الإسرائيلية عن القرية، وتركت خلفها دباباتها المحترقة وخمسين قتيلًا بينهم عقيد في جيش الاحتلال، إضافة إلى خسائر في الطائرات والآليات.

تلك الهزيمة كانت أول صفعةٍ يتلقاها العدو بعد حرب 1956، وأول نذيرٍ بما سيواجهه إن اقترب من القدس.

قال المحللون العسكريون: إنّ معركة السموع هي الشرارة التي سبقت نكسة 1967، وهي التي أيقظت الوعي العربي على أنّ المعركة المقبلة ستكون على القدس، وأنّ الأردن سيبقى في الخط الأمامي للدفاع عن الأمة كلها.

السموع ليست ذكرى تُروى في كتب التاريخ، بل نبضٌ حيّ في ذاكرة الوطن.

هي المرآة التي تعكس معدن الأردني حين يُختبر في لحظة الخطر: ثابت، شجاع، مؤمن أن الأرض لا تُحمى إلا بالرجال.

كل عام، حين تطل ذكرى السموع، يتجدّد الفخر، ويعلو الصوت:

هنا وقف الجيش العربي... هنا انكسر العدوان... هنا انتصر الشرف الأردني.

مدار الساعة ـ