تشكّل زيارة الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع إلى الولايات المتحدة واحدة من أكثر المحطات السياسية اللافتة في المشهد الإقليمي هذا العام، ليس فقط لطبيعة التوقيت، بل أيضاً لطريقة إدارة الزيارة وما حملته من رسائل معلنة وأخرى مضمنة. فالشرع، الذي يسعى إلى تثبيت موقعه داخلياً وإعادة صياغة هوية بلاده خارجياً، وجد في واشنطن البوابة الأكثر تأثيراً لتحقيق هذا التحول.
بين العزلة والانفتاحلعلّ الرسالة الأبرز التي حملتها الزيارة هي الرغبة الجادة في كسر العزلة السياسية التي عاشتها البلاد لسنوات طويلة. فالظهور في البيت الأبيض - لو لم يكن على أعلى مستوى - يعطي إشارة واضحة إلى أن القيادة الجديدة تريد يداً تمتد إلى العالم لا خطاباً يصطدم به.الشرع بدا في لقاءاته وكأنه يريد أن يقول للأمريكيين: "لسنا جزءاً من المشكلة… ويمكن أن نكون جزءاً من الحل."وهذه رسالة تستهدف مراكز القرار في واشنطن بقدر ما تستهدف الداخل السوري والعربي.فرص اقتصادية… ولكن بشروطالملف الاقتصادي كان حاضراً بقوة، لكن ليس بالاندفاع الذي توقعه البعض. واشنطن أظهرت انفتاحاً حذراً، حيث أبدت استعداد لتسهيل بعض المشاريع عبر مؤسسات دولية، مقابل التزام بخطوات إصلاحية داخلية، الأمر الذي يعني عملياً أن الشرع حصل على “نافذة صغيرة” يمكن أن تتوسع إن نجحت حكومته في ضبط الملفات الداخلية الشائكة، خصوصاً الفساد والحوكمة.الملف الإقليمي… حضور “غير مباشر”ورغم أن الزيارة وُصفت بأنها ثنائية، فإن الملفات الإقليمية كانت على الطاولة دون إعلان رسمي. واشنطن تريد تهدئة الجوار، وتقليل نفوذ القوى الإقليمية المنافسة، بينما يسعى الشرع لإعادة تموضع بلاده كلاعب لا يمكن تجاهله.هذا التوازن بين الحاجة الأمريكية والاستقلالية السورية هو ما سيحدد مستقبل العلاقة.هل كانت الزيارة ناجحة؟الإجابة تعتمد على زاوية النظر:من الناحية الدبلوماسية:نعم، فقد أعادت الزيارة فتح قنوات كانت شبه مغلقة، وقدمت الشرع كـ“رجل دولة” في عيون الغرب.من الناحية الاقتصادية:نجاح محدود، لكنه مهم في ظل الظروف الحالية.من الناحية السياسية:الزيارة منحت الشرع اعترافاً دولياً غير مباشر يعزز شرعيته داخلياً.لكن نجاح الزيارة لا يلغي حقيقة أن الطريق أمام الشرع طويل ومعقد، وأن واشنطن لن تقدم شيئاً كبيراً قبل أن ترى تغييراً ملموساً على الأرض.زيارة لكسر العزلة… أم بداية تحول؟في تقديري، الزيارة ليست مجرد مجاملة بروتوكولية. إنها خطوة أولى في مشروع أكبر يحاول الشرع من خلاله إعادة رسم موقع بلاده في الخريطة الدولية.لكن هذا المشروع سيصطدم بتحديات داخلية أكثر تعقيداً من التحديات الخارجية، وهي التي ستحدد في النهاية ما إذا كانت واشنطن مجرد محطة في الطريق… أم بداية مسار جديد بالكامل.المجالي يكتب: الشرع في واشنطن.. زيارة لكسر العزلة أم بداية تحول سياسي؟
مدار الساعة ـ