تسعى الموازنات العامة للحفاظ على الاستقرار الاجتماعي من خلال دعم المواد الأساسية والخدمات، وهو ما يعكسه تطور بنود الدعم بين 2024 و2026، حيث تشير أرقام الموازنة إلى أن حجم الدعم المباشر (الخبز، وأسطوانة الغاز، والمعونة النقدية، والجامعات، والتأمين ضد السرطان، وصندوق دعم الطالب) ارتفع من نحو 608 ملايين دينار عام 2024 إلى 658 مليونًا في 2025 ثم إلى 770 مليونًا في تقديرات 2026.
وهذا يعني زيادة بنسبة 8.2 % في 2025 مقارنة بـ 2024، ثم زيادة أكبر قدرها 17 % في 2026 مقارنة بـ2025. ومع أن إجمالي النفقات الجارية في 2026 يقدَّر بنحو 11.456 مليار دينار، فإن حصة الدعم ما تزال تقارب 6.7 % فقط من النفقات الكلية، ما يوضح أن الحكومة تحاول ضبط الدعم ضمن حدود محددة حتى لا يتجاوز على أولويات أخرى.التحول الأكبر يبرز في بند دعم المواد التموينية، فقد خصصت الحكومة 170 مليون دينار لدعم الخبز والقمح والأعلاف في 2024، ثم رفعت المبلغ إلى 180 مليونًا في تقدير موازنة 2025. ومع ذلك، تُظهر الأرقام أن الدعم سينخفض إلى 171 مليونًا في 2026، أي تراجع بنسبة نحو 5 % مقارنة بـ2025. ويعود ذلك إلى أن قيمة الدعم للسلع المدعومة لم تتغير، لكن انخفاض أسعار القمح والشعير عالميًا يفسر تقلص المخصصات.ورغم هذا التخفيض، يبقى بند الدعم الغذائي أكبر بند فردي بين بنود الدعم، إذ يمثل نحو 27 % من إجمالي مخصصات الدعم في 2025 وما يقارب 22 % في 2026.أما دعم أسطوانة الغاز المنزلي فيتزايد بوضوح، فقد قدرت الحكومة الدعم بـ47 مليون دينار في 2024، لكنه يرتفع إلى 63 مليونًا في 2025 ثم إلى 80 مليون دينار في 2026، أي زيادة نسبتها 28 % بين 2025 و2026. ورفع مخصصات 2026 إلى 80 مليونًا يعكس حرصًا على إبقاء الأسعار ثابتة حتى مع تذبذب السوق العالمية.وتشير الأرقام إلى أن المعونة النقدية عبر صندوق المعونة الوطنية تبقى حجر الزاوية في شبكة الأمان الاجتماعي، فقد ارتفعت من 256 مليون دينار في 2024 إلى 280 مليونًا في 2025 واستقرت عند هذا المستوى في تقديرات 2026، إذ إن هذا البند زاد بـ20 مليون دينار بهدف توسيع قاعدة المستفيدين، حيث يستحوذ على نحو 42 % من إجمالي الدعم في 2024 و2025، لكنه ينخفض إلى 36 % في 2026 بسبب بروز بنود جديدة.وفي قطاع التعليم، حظيت الجامعات الرسمية بدعم ثابت، فقد خصصت الموازنة 75 مليون دينار في 2024 و2025، ثم زادت إلى 80 مليون دينار في 2026، أي زيادة نسبتها 6.7 %. كما ارتفعت مخصصات صندوق دعم الطالب الجامعي من 30 مليون دينار في 2024 و2025 إلى 35 مليون دينار في 2026 (زيادة 16.7 %)، وهذه الزيادة ضرورية لتعزيز فرص التعليم العالي للطلبة من الأسر محدودة الدخل، لكنها ما تزال تمثل أقل من 5% من إجمالي مخصصات الدعم.التحول النوعي الآخر يتمثل في إنشاء برنامج للتأمين ضد مرض السرطان، ضمن اتفاقية الحكومة مع مؤسسة ومركز الحسين للسرطان لتغطية علاج 4.1 مليون مواطن اعتباراً من بداية 2026، بكلفة إجمالية 132.5 مليون دينار، ستسهم الحكومة فيها بـ 124 مليون دينار بينما يوفر المركز 8.5 مليون دينار.إن دخول هذا البند إلى الموازنة رفع مخصصات التأمين من 30 مليون دينار في السنوات السابقة إلى 124 مليوناً في 2026، لتصبح حصته 16 % من مخصصات الدعم، فهذه الخطوة تعد تطوراً إيجابياً نحو رعاية صحية شاملة، لكنها تحتاج إلى إدارة مالية دقيقة لضمان استدامتها.برأيي، التحدي الأساسي هو ضمان أن يصل هذا الدعم إلى مستحقيه وأن يُستخدم كأداة لتحفيز النمو، وليس فقط لحفظ الوضع القائم، لذلك يجب أن ترافق الأرقام سياسات واضحة لتحسين الكفاءة، وإصلاح الهياكل التي تسمح بالهدر، وتقييم أثر الدعم على الفقر والبطالة، وعندها فقط يمكن القول إن الموازنة تحولت من مجرد أرقام إلى أدوات تحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة.الدعم حجر الزاوية في الموازنة
مدار الساعة (الغد الأردنية) ـ