سبقت الإشارة في مقالات هذه السلسلة إلى أن المحكمة الدستورية أصدرت أواخر العام الماضي العدد الأول من مجلتها، وقد خصصته لما صدر عنها من أحكام وقرارات منذ إنشائها حتى نهاية العام 2024؛ أما الأحكام فهي ما يصدر عن المحكمة عند ممارسة دورها في الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة، وأما القرارات فهي ما يصدر عنها عند ممارسة دورها الآخر وهو تفسير النصوص الدستورية.
كما سبقت الإشارة في المقال العاشر من هذه السلسلة إلى أن الهيئة العامة للمحكمة الدستورية ألزمت المكتب الفني للمحكمة باستخلاص المبادئ القانونية من أحكام المحكمة وقراراتها، كما ألزمته بتسهيل نشر تلك المبادئ (المادة 4/هـ من تعليمات المكتب الفني للمحكمة الدستورية).وتنفيذًا لذلك فقد استخلص المكتب الفني مبادئ قانونية من جميع الأحكام والقرارات، وقد سهل نشرها؛ فأتاحها على الموقع الإلكتروني للمحكمة، كما أوردها في بداية كل حكم أو قرار في العدد الأول من مجلة المحكمة، كما أن المكتب الفني لم يكتف باستنباط المبدأ، بل يتبعه بالإشارة إلى المواد ذات الصلة به، وذلك تحت عنوان: "ارتباطات المبدأ"؛ فيدرج المكتب تحت هذا العنوان أرقام تلك المواد؛ تسهيلًا للرجوع إلى المبدأ من قبل الباحثين والعاملين في المجال القانوني.إلا أن ما يلاحظ في بعض الحالات أن "ارتباطات المبدأ" لم يدرج ضمنها أرقام مواد على الرغم من أنها ذات ارتباط بالمبدأ؛ فعلى سبيل المثال فإن المكتب الفني أشار إلى عدة مواد بوصفها ارتباطات للمبدأ القانوني المستخلص من الحكم رقم (1) لسنة 2013، إلا أنه لم يشر إلى النص المطعون بعدم دستوريته، وهو نص المادة (5) من قانون المالكين والمستأجرين (ص 13 من العدد الأول من المجلة).إن المحكمة الدستورية وإن لم تكن قد أشارت صراحة إلى رقم تلك المادة ضمن حكمها، إلا أن المكتب الفني كان بإمكانه تدارك ذلك والإشارة إليها ضمن "ارتباطات المبدأ"؛ لأن لديه ملف الطعن ومتعلقاته، ولأنه ملزم- كما سبق بيانه- باستخلاص المبادئ القانونية من أحكام المحكمة وقراراتها.كما أن الخلل في تنظيم تبويب "ارتباطات المبدأ" قد ظهر في حالة المبدأ القانوني المستخلص من الحكم رقم (6) لسنة 2024، فلم تتضمن ارتباطات ذلك المبدأ المادة (39) من قانون الزراعة؛ تلك المادة التي أعلنت المحكمة عدم دستورية عبارة فيها في الحكم المشار إليه بقولها: "ولما كانت العبارة المطعون بعدم دستوريتها ترتبط لزومًا مع العبارة الواردة في المادة (39) من القانون ذاته ... فإنه يتوجب كذلك إعلان عدم دستوريتها" (الحكم منشور في عدد الجريدة الرسمية رقم 5937 تاريخ 16 تموز 2024، وانظر ص 486 من العدد الأول من المجلة).إن الأمثلة السابقة تعد مؤشرًا على أن "ارتباطات" المبادئ القانونية لم تأخذ حقها من الدراسة في عدة حالات، الأمر الذي يستوجب دراسة أحكام المحكمة وقراراتها دراسة مستفيضة للتمكن من استخلاص المبادئ القانونية وتحديد المواد التي يرتبط بها المبدأ بشكل سليم.وعليه؛ ولضمان تحسين ربط المبدأ بالمواد المتعلقة به قد يكون من المناسب أن يعهد إلى المحكمة الدستورية- أو رئيسها- صلاحية إقرار المبادئ القانونية التي يستخلصها المكتب الفني من أحكام المحكمة وقراراتها؛ بما في ذلك تحديد ما يرتبط بتلك المبادئ من مواد قانونية.رحامنة يكتب: على هامش العدد الأول من مجلة المحكمة الدستورية (11)
د. محمد رحامنة
الجامعة الأردنية
الجامعة الأردنية
مدار الساعة ـ