أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة مستثمرون شهادة الموقف مناسبات جاهات واعراس جامعات بنوك وشركات خليجيات مغاربيات دين اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

الخلط المنهجي: بين إخفاق التطبيق وعدالة المبدأ، حسن اسميك مثالا


د. مصطفى التل

الخلط المنهجي: بين إخفاق التطبيق وعدالة المبدأ، حسن اسميك مثالا

مدار الساعة ـ

ما إن بدأت بالكتابة بموضوع ( الاقتصاد الإسلامي) , وطالبت أن يكون على طاولة صناع القرار , حتى تفاجأت بعدة ردود لا أعتقد انها تخرج عن اطار المماحكة الإعلامية .

فقد اطلعت على مقال الأستاذ حسن إسميك المنشور تحت عنوان "الإسلام السّياسي والإسلام الاقتصادي… وجهان لعملة واحدة؟".

يبدأ المقال الأصلي بتأكيد حقيقة التداخل الوثيق بين السياسة والاقتصاد، وهي نقطة أوافق عليها تماماً, فالعلاقة الجدلية بين المجالين حقيقة لا تقبل الجدل في الأدبيات الاقتصادية السياسية التاريخية والعاصرة , لكني أختلف مع الكاتب في تحليله اللاحق الذي يفصل بين هذه الحقيقة الطبيعية وبين الدين الإسلامي، الذي جاء شاملاً لجميع مناحي الحياة.

إن المنهج العلمي يقتضي التمييز بين المستويين النظري والتطبيقي في دراسة أي ظاهرة فكرية, المقال يخلط بين الإطار المفاهيمي للنظام الإسلامي في السياسة والاقتصاد من جهة، وبين الاسقاطات الغربية على " الإسلام السياسي" من جهة أخرى , هذا الخلط المنهجي يؤدي إلى أحكام غير دقيقة تحتاج إلى تصويب.

من الناحية المفاهيمية، يظل مصطلح "الإسلام السياسي" إشكالياً في الأدبيات الغربية والتي ينطلق منها كل مًن يريد أن يخوض هذ المحاض من وجهة نظر معارضة ، إذ يحمل دلالات فكرية في الخطاب الغربي المعاصر لا تتطابق مع المفهوم الإسلامي الأصيل.

الأصح علمياً التحدث عن "النظام السياسي في الإسلام" الذي يمثل جزءاً من المنظومة الشاملة للشريعة الإسلامية, هذا النظام يقوم على أصول راسخة يمكن إجمالها في العقد الاجتماعي المتمثل في بيعة الإمام، ومبدأ الشورى كما في قوله تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ}، وقاعدة العدل التي أمر الله بها في قوله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ}.

من الناحية التاريخية، يقدم النموذج الإسلامي للحكم إسهامات مهمة تجلت في نظرية المقاصد والحفاظ على الضروريات الخمس، ونظام الحسبة والمحاسبة، واستقلالية القضاء, وقد أثبتت التجارب التاريخية والمعاصرة نجاح تطبيق الأحكام الإسلامية في السياسة والاقتصاد، كما هو الحال في نماذج دولية متعددة غربية وشرقية والتي جمعت فيه بين الحداثة الاقتصادية والهوية الإسلامية.

أما فيما يتعلق بالبنوك الإسلامية، فإن وصفها بـ"البدعة" يتناقض مع الأسس الشرعية والعلمية, فمن الناحية الشرعية، تمثل البنوك الإسلامية تطبيقاً عملياً لتحريم الربا كما في قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}, وهذا التحريم يقوم على أسرار وحكم عظيمة منها منع الاستغلال وتحقيق العدالة في التبادل الاقتصادي.

الأدلة العملية المعاصرة تشهد على نجاح هذا القطاع، حيث تشير تقارير البنك الإسلامي للتنمية (2022) إلى أن حجم الأصول المالية الإسلامية بلغ 4 تريليونات دولار، مع نمو سنوي يصل إلى 15% في الأسواق غير الإسلامية، واعتماد 85% من البنوك المركزية العالمية لمعايير الصكوك الإسلامية, هذه الأرقام تدحض ادعاء أن البنوك الإسلامية تعتمد فقط على العاطفة الدينية.

أما اتهام الاستغلال العاطفي، فإن الدراسات الميدانية تدحض هذه الادعاءات, فقد بينت دراسة جامعة هارفارد (2021) أن 78% من عملاء البنوك الإسلامية يختارونها لأسباب اقتصادية وليس دينية, وأكد بحث مركز أكسفورد للدراسات الإسلامية أن الجودة التقنية وليس الدافع الديني هو المعيار الرئيسي في اختيار العملاء.

ومع هذا النجاح، نعترف بوجود تحديات حقيقية في القطاع المالي الإسلامي تحتاج إلى معالجة، خاصة في مجالات التشريعات العامة في الدولة ، وتوحيد المعايير، وتطوير المنتجات, وهذا الاعتراف يدل على موضوعية الرؤية الإسلامية التي لا ترفض النقد البناء.

إننا أمام حاجة ملحة لرؤية متوازنة تقوم على تمييز المستويات بين الإطار النظري الإسلامي وتطبيقاته التاريخية، والنقد البناء الذي يقيم التجارب الإسلامية بمعايير موضوعية، وسد الفجوة بين النظرية والتطبيق في المشروع الإسلامي.

ختاماً، فإن المشروع الإسلامي في السياسة والاقتصاد يحتاج إلى الاعتراف به في العصر الحديث من الدول الإسلامية نفسها وألا تبقى تابعة لمنظومات اقتصادية أهلكت الزرع وجففت الضرع ، مع تطوير آليات تنفيذية فعالة، وحوار موضوعي مع الرؤى المختلفة.

بدلاً من اتهام كل من يحاول تطبيق الإسلام في الحياة العامة باستغلال الدين، ينبغي تشجيع الحوار البناء حول كيفية تطبيق الإسلام تطبيقاً صحيحاً يحقق المقاصد الشرعية، وينفع الناس في معاشهم ومعادهم.

مدار الساعة ـ