أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين مقالات مختارة أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات الموقف مناسبات جاهات واعراس مستثمرون شهادة جامعات بنوك وشركات خليجيات مغاربيات دين ثقافة رياضة اخبار خفيفة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

من طوكيو إلى إسلام آباد: غلال ملكي وفير برسم المتابعة


د. خير أبوصعيليك

من طوكيو إلى إسلام آباد: غلال ملكي وفير برسم المتابعة

مدار الساعة (الغد الأردنية) ـ

توقيت الزيارة الملكية إلى دول آسيوية يعكس إدراكا استراتيجيا دقيقا للواقع الجيوسياسي الإقليمي والدولي الذي يئن تحت وطأة توترات لا تنتهي، ما فتئت تلقي بظلالها الثقيلة على البيئة الاقتصادية والاستثمارية للاقتصاد العالمي.

هذا التوقيت يمكّن الأردن من تسويق نفسه خارج الجغرافيا التقليدية كنقطة ارتكاز إقليمية موثوقة ومستقرة في ظل سعي الدول الآسيوية لتنويع استثماراتها، وخاصة اليابان وسنغافورة.

كما أن توقيت الزيارة يعكس قراءة لواقع الاقتصاد في دول جنوب شرق آسيا كفيتنام وإندونيسيا، حيث يُتوقع لهما أن تختتما العام الحالي بنسب نمو في ناتجهما الإجمالي يفوق 5 % لكل منهما.

أما على الصعيد المحلي، فقد بدأت مؤشرات الاقتصاد الكلي تظهر تحسنا ملموسا، باستثناء نسب البطالة التي بقيت تراوح مكانها. كل هذه المتغيرات كانت حاضرة في الإعداد لجولة العمل الملكية نحو الشرق الآسيوي، والتي شملت خمس محطات حيوية بدأت من طوكيو واختتمت في إسلام أباد.

لم تكن الزيارة الملكية مجرد لقاءات دبلوماسية؛ بل مثلت دفعة استراتيجية لرؤية التحديث الاقتصادي وزخما جديدا للبيئة الاستثمارية المحلية، هدفها الواضح هو تنويع شراكات الأردن، وجذب استثمارات نوعية توفر فرص العمل للشباب، وتفتح أسواقا جديدة للصادرات الأردنية.

المحطة الأولى كانت اليابان التي تمتلك ثالث أكبر اقتصاد في العالم، إضافة إلى ريادتها التكنولوجية والعلمية، فجاءت الزيارة الملكية مستثمرة العلاقات الدبلوماسية بين عمّان وطوكيو التي تمتد إلى سبعة عقود.

يضاف إلى ذلك ثقة القادة اليابانيين في الإصلاحات التي يجريها الأردن سياسيا وإداريا واقتصاديا، فأثمرت الزيارة عن رصد اليابان مبلغ (400 مليون دولار) ضمن حزمة التنمية الممتدة حتى عام 2027، يضاف إلى ذلك توقيع اتفاقية قرض ميسر بقيمة (100 مليون دولار) لدعم برامج النمو الاقتصادي والتنمية البشرية، ويسعى الأردن لزيادة حجم التبادل التجاري عبر تشجيع اللقاءات الثنائية بين القطاع الخاص في البلدين الصديقين.

أما في فيتنام التي تمتلك سوقا صاعدا وتسجل نموا اقتصاديا مرتفعا ولديها قطاع متطور لصناعة المحيكات، فتبدو فرص الشراكة التكاملية في هذا القطاع حقيقية.

كما هدف ملتقى الأعمال الأردني الفيتنامي إلى خلق شراكات مباشرة بين رجال الأعمال في القطاع الخاص. ويستحق وزير الخارجية الأردني الإشادة بسرعة متابعة مخرجات اجتماعات جلالة الملك مع المسؤولين الفيتناميين في هانوي حيث اتفق الجانبان على وضع خارطة طريق للتنفيذ وخاصة في ظل الخلل الواضح في الميزان التجاري بين البلدين والذي يميل بشكل كبير للجانب الفيتنامي.

يرتبط الأردن عموما وجلالة الملك بشكل خاص بعلاقات وثيقة مع إندونيسيا تعود إلى عام 1950؛ فحـرارة الاستقبال الذي تم في جاكرتا يعكس دفء العلاقات بل الصداقة بين القيادتين، الأمر الذي يمهد الطريق نحو شراكة حقيقية، فإندونيسيا هي أكبر دولة إسلامية من حيث عدد السكان إضافة إلى امتلاكها سوقا واعدا بحجم تبادل تجاري بلغ 898 مليون دولار في عام 2024. وفي تقديري فإن زيارة جلالة الملك لهذا البلد الصديق تشكل فرصة ذهبية للصناعات الأردنية للوصول إلى أكبر أسواق المنتجات الحلال في العالم في قطاعات الغذاء والدواء.

أما محطة سنغافورة، التي بدأت علاقاتها الدبلوماسية مع الأردن عام 1988، فهي تعد مركزا ماليا عالميا لا يمكن تجاهله. وبالرغم من تواضع حجم التبادل التجاري البالغ (60.5 مليون دولار)، فإن أهميتها تكمن في كونها بوابة للاستثمار والخبرة المعرفية حيث ركزت الزيارة على جذب استثمارات في قطاعات: الطاقة المتجددة، والتعدين، والصحة، والبنية التحتية الرقمية. ونستحضر هنا زيارة صاحب السمو ولي العهد المعظم إلى هذا البلد في مطلع العام 2024 حيث زار سموه كلية لي كوان يو للسياسة العامة والمصنفة الأولى آسيويا والرابعة عالميا في مجال الإدارة، فالاستثمار ليس مالا فقط بل يمتد إلى الخبرة والمعرفة الإدارية.

اختُتِمت الجولة الملكية في إسلام أباد، حيث الروابط التاريخية التي تعود لعام 1947، وبالتوازي مع الأهمية السياسية لهذه الزيارة، تم توقيع اتفاقيات تهدف إلى تعميق الروابط الثقافية والأكاديمية بين الشعبين. وبالرغم من أن الاستثمارات الباكستانية القائمة في الأردن وصلت إلى (155 مليون دولار)، إلا أن حجم التبادل التجاري المتواضع لا يرقى لمستوى العلاقات السياسية الممتازة.

لقد كان حصاد جولة الملك الآسيوية وفيّا، ويستلزم من القطاعين العام والخاص العمل الحثيث للبناء عليها، فالرسالة واضحة بأن الأردن يتطلع لتنويع أسواقه وشراكاته نحو أسواق الخبرة والنمو.

المسؤولية الآن تقع على عاتق القطاعين العام والخاص لترجمة هذه الرؤية الاستراتيجية إلى واقع ملموس، ونقل الاتفاقيات إلى إنجازات، فالتحدي يكمن في قدرة مؤسسات الدولة على متابعة وتنفيذ ما تم إنجازه من خلال خطط تنفيذية واضحة وتحويل الفرص إلى عمل مستدام يلامس حياة وطموحات المواطنين.

مدار الساعة (الغد الأردنية) ـ