بعد اكثر من قرن من الزمان اصبح من السهل قراءة الدولة الاردنية ،دولة اكتسبت خبرة غير عادية بتعاملها مع كميات من الازمات والحروب واوضاع اقتصادية صعبة واستقبال هجرات ولجوء وتعامل مع دول شقيقة عاشت اوهام التوسع وصناعة النفوذ وكان الاردن هدفا لتلك الأوهام بل ان تلك الدول استعانت بتنظيمات محلية وفصائل وميليشيات .
وتعاملت الدولة الاردنية مع عملية زراعة لمصدر القلق والحروب والهجرات وهو الاحتلال الاسرائيلي الذي صنع حالات قلق وتجارة بالقضايا العربية والدين مازالت مستمرة الى اليوم.الاردن كان دائما يدير معادلات استقراره وبناء نفسه بواقعية شديدة ،ولم يتحرك وفق اي اوهام ،فالاردن دولة تدرك مساحتها وامكاناتها المادية وتعلم جيدا مواطن الخطر وعوامل تهديد وجودها ،لكنها ايضا تعلم مواطن قوتها وتدرك المساحات التي يمكن ان تتحرك بها .الاردن كان يعلم خصومه لكنه لم يترك مساحة ايجابية في الحفاظ على العلاقات الا حافظ عليها ،والاردن دولة لم تغادر للحظة مربع القضايا العربية وقدمت كل ما تستطيع حتى في المراحل التي كانت تعلم انها مراحل مغامرات ومراهقة من البعض ،دولة تعاملت مع كل قضايا العرب وعلى رأسها قضية فلسطين بصدق رغم كذب البعض الذين كان يزعجهم الصدق الاردني لانه يكشف زيف المواقف للبعض .الدولة الاردنية تدرك انها ليست دولة عظمى لكنها عرفت كيف تتحرك في مساحات العالم وقدمت رؤيتها الصادقة والموضوعية تجاه قضايا العرب وقضايا العالم، دولة تحدثت عن الاعتدال فكانت نموذجا في الاعتدال السياسي والاجتماعي والتعايش وفهم الاسلام ،ودعت للسلام فكانت عنوانا مهما في كل جهد دولي لاحلال السلام والمشاركة في قوات الامم المتحدة، وكانت ايضا صاحبة رؤية للسلام في المنطقة بما يعيد الارض العربية ويعيد حق الشعب الفلسطيني .الاردن دولة بلا اوهام لانها تدرك عبر كل العقود معادلات العالم لكنها لم تتوقف في محاولة التأثير على قناعات وقرارات الدول المهمة بما يخص قضايا المنطقة ،وصنعت شبكة علاقات مع كل دول العالم تقريبا لتحقيق مصالح الاردن وخدمة قناعاته.بعد اقرار خطة ترامب كان للملك جولتان في دول أوروبية واسيوية ،وكان هذا التحرك جزءا من واقعية الاردن وحماية مصالحه والالتفات الى مصالحنا الاردنية ،جولتان ضمن واقعية الدولة الاردنية في ضرورة تعدد ابواب الاستثمارات والشراكات الاقتصادية ،وعلى الجانب الاخر فتح مسارات جديدة للعلاقات القديمة سياسيا وعسكريا، فالاهتمام بالمصالح الاردنية ليس شعارا بل ممارسة يومية للدولة.الاردن ليس دولة شعارات وصراخ سياسي ،وليست دولة مؤامرات على أشقاء واصدقاء ،ودائما تبحث عن مساحات التوافق لكنها تدرك خرائط الاحقاد والاستهداف التي تواجهها ،وفي حالة الحرب على غزة لم يكن الاردن معنيا بمن يحكم غزة بل كانت الاولوية منذ اليوم الأول وحتى وقف الحرب بوقف القتل والحرب ومساعدة اهل غزة على الحياة والسعي لحل سياسي للقضية الفلسطينية يعطي الفلسطينيين حقوقهم ،وكانت تدرك ان بعض من كان يجب ان يسعوا لحماية غزة كانت اولويتهم الحاق الاذى بالاردن وأمنه ومحاولة بناء ميليشيات سياسية وعسكرية على ارضه ،لكن الاردن لم يوقف مساره المساند لأهل غزة رغم سوء هذا البعض .الاردن دولة بلا اوهام لكنها دولة لا تتوقف عن صناعة واقع في علاقاتها وبناء نفسها يخدم مصالحها وثوابتها العربية ،دولة لم تكذب على نفسها وعلى شعبها، لكنها لم تتوقف عن انجاز ما يمكن انجازه في كل المجالات.