في منتصف العام 2008 كنت على مقاعد الدراسة في الجامعة الأردنية أدرس الماجستير في الإدارة العامة، وكم كنت محظوظاً أن درست مساق (التدريب في الإدارة العامة) على يد واحد من الرواد الأوائل المؤسسين لعلم الإدارة في الأردن هو الأستاذ الدكتور محمد عبد الفتاح ياغي.

وقد روى لنا حينها قصة تاسيس معهد الإدارة العامة الأردني في العام 1968 كأحد أول المعاهد في العالم العربي المعنية بالتدريب وبناء القدرات في مجال الإدارة العامة. وكان يستذكر بكثير من الحنين الايام الأولى لتأسيس المعهد ومسيرة بداياته واسهاماته في مسيرة بناء الدولة الأردنية الحديثة، بوصفه أحد أقدم بيوت الخبرة في العالم العربي في مجال الإدارة العامة.

واليوم وأنا على مقاعد الدراسة في ذات المعهد ضمن برنامج تأهيل القيادات الحكومية استذكر حديث استاذي الدكتور محمد ياغي عن ايام التاسيس الأولى. واشاهد بعيني كيف تحول هذا الصرح الوطني العريق الى خلية نحل تعمل بلا كلل ولا ملل بقيادة مديرته عطوفة المهندسة سهام الخوالدة ليصبح المعهد الذراع المساعد للحكومة في تحقيق رؤى التحديث الثلاث السياسية والإقتصادية والإدارية.

في مجال التحديث السياسي، يسهم المعهد في تعزيز قدرة الجهاز الحكومي على إدارة متطلبات المشاركة السياسية وتطبيق التشريعات الجديدة، من خلال تطوير برامج تدريبية متقدمة للكوادر المعنية بالتواصل المجتمعي، وتمكين الشباب والنساء، وتعزيز الثقافة الديمقراطية داخل مؤسسات الدولة.

وفي إطار التحديث الاقتصادي، يعمل المعهد على بناء جهاز حكومي قادر على دعم النمو الاقتصادي من خلال تطوير قدرات الموظفين في مجالات التخطيط، وإدارة المشاريع، وتحليل السياسات، وتطبيق مبادئ الحوكمة والكفاءة والشفافية، بما يسهم في تهيئة بيئة اقتصادية نشطة وجاذبة، ويعزز الأداء المؤسسي المرتبط بمستهدفات الرؤية الاقتصادية.

أما في محور التحديث الإداري، فيبرز دور المعهد بوصفه محرّكًا أساسيًا لتجديد الإدارة العامة وتعزيز كفاءتها. فهو يعمل على إعداد القيادات الحكومية وفق برامج حديثة تركز على الابتكار، والتحول الرقمي، وإدارة التغيير، وتطوير الخدمات العامة، إضافةً إلى تقديم الدراسات والاستشارات وبناء القدرات التي ترفع من فاعلية المؤسسات وتساعدها على مواكبة متطلبات المرحلة.

وبفضل هذا الدور المتكامل، يظل معهد الإدارة العامة بيت خبرة وطنيًّا قادرًا على تحويل الرؤى إلى خطط، والخطط إلى ممارسات، والممارسات إلى أثرٍ يُلمس في جودة الخدمات، وكفاءة الجهاز الحكومي، وثقة المواطن بالدولة. إنه شريك رئيسي في مسيرة التحديث، وركيزة أساسية في تطوير الإدارة الأردنية بما ينسجم مع الطموح الوطني لبناء دولة حديثة وقادرة ومواكبة للمستقبل.