أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات وظائف للأردنيين أحزاب مجتمع أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة جاهات واعراس مستثمرون شهادة الموقف مناسبات جامعات بنوك وشركات خليجيات مغاربيات دين اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

في مدرسة النبوة.. الكل سواء

مدار الساعة,شؤون دينية
مدار الساعة ـ
حجم الخط

مدار الساعة -تُعد المساواة بين البشر حقاً إنسانياً سامياً، وركيزة ثابتة في حضارتنا الإسلامية. فهي الأساس الذي تقوم عليه كرامة الإنسان وتُصان به حقوقه، فلا اعتبار فيها لجنسٍ أو لون، ولا لوطنٍ أو قومية. وقد أرسى القرآن الكريم قاعدة ذهبية تقضي بأن معيار التفاضل الوحيد هو التقوى والعمل الصالح.

1. التأسيس القرآني والنبوي للمساواة

يقول الله تعالى مقررًا هذا المبدأ:

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13].

وفي تفسير هذه الآية، يؤكد العلماء (كابن كثير والسعدي) أن البشر جميعًا ينحدرون من أصل واحد (آدم وحواء)، وأن تفرّقهم إلى شعوب وقبائل هو للتعارف لا للتفاخر. فالكرم الحقيقي عند الله يُنال بالطاعة والانكفاف عن المعاصي، لا بشرف النسب أو كثرة العشيرة.

وقد رسخ النبي ﷺ هذا المعنى في خطبة حجة الوداع، حين أعلن الدستور الخالد للمساواة قائلًا:

(يا أيها الناس: إنَّ ربَّكم واحِد، ألا لا فضل لِعربِيٍّ على عجَمِيٍّ، ولا لِعجَمِيٍّ على عربيٍّ، ولا لأحمرَ على أسْود، ولا لأسودَ على أحمر إلَّا بالتَّقوَى، إنَّ أكرمكم عند الله أتقاكم). [رواه البيهقي].

2. التطبيق العملي في السيرة النبوية

لم تكن دعوة النبي ﷺ للمساواة مجرد شعارات، بل كانت واقعًا ملموسًا في حياته، تجلّى في مواقف تاريخية خالدة:

أولاً: غزوة بدر (المشاركة في المشقة)

في غزوة بدر الكبرى (يوم الفرقان)، ضرب النبي ﷺ أروع الأمثلة في التواضع والمساواة:

الموقف: كان الجيش قليلاً (315 رجلاً) والركائب شحيحة (70 بعيرًا)، فكان كل ثلاثة يتعاقبون على بعير واحد.

القدوة: كان النبي ﷺ وشريكاه في البعير (علي بن أبي طالب وأبو لبابة) يتبادلون الركوب. وحين جاء دوره للمشي، أرادا إيثاره بالركوب، فقال ﷺ كلمته الخالدة: (ما أنتما بأقوى منّي على المشي، ولا أنا بأغنى عن الأجر منكما).

الدلالة: رفض النبي ﷺ التميز عن جنده، وسعى للأجر والمشاركة في الجهد كأي فرد منهم.

ثانياً: غزوة الأحزاب (العمل اليدوي والجوع)

عند حفر الخندق، ذابت الفوارق بين القائد والجند:

المشاركة: شارك النبي ﷺ أصحابه في حمل التراب وتكسير الصخور حتى اغبرّ بطنه الشريف.

المعاناة المشتركة: عانى من الجوع كما عانوا، حتى ربط الحجر على بطنه، وحين وجد طعامًا بعد ثلاثة أيام، لم يستأثر به بل دعاهم وشاركهم فيه.

الأثر النفسي: كان لهذا السلوك أثر عظيم في رفع معنويات الصحابة، فأنشدوا:

نحن الذين بايعوا محمدا ... على الإسلام ما بقينا أبدا

ثالثاً: بناء المسجد النبوي (التواضع في البناء)

منذ لحظة وصوله للمدينة، كان النبي ﷺ (وهو في الثالثة والخمسين من عمره) ينقل اللبِن والطوب لبناء المسجد جنباً إلى جنب مع أصحابه. لم تمنعه مكانته ولا سنّه من العمل، مما حفّز الصحابة وجعلهم يتفانون في العمل قائلين:

لئِنْ قَعَدْنا والنبي يعملُ ... لَذَاكَ مِنَّا العمل المضلّلُ

رابعاً: حجة الوداع (رفض الامتيازات)

في مشهد مهيب بالحج، رفض النبي ﷺ أي مظهر من مظاهر التمييز:

الموقف: حين طلب النبي ﷺ الماء من "السقاية"، أراد العباس وآله أن يأتوه بماء خاص من البيت لأن الناس يخوضون في ماء السقاية بأيديهم.

الرد النبوي: رفض وقال: (لا حاجة لي فيه، اسْقوني ممَّا يَشرَبُ منه النَّاس).

الدلالة: شرب ﷺ من حيث يشرب عامة الناس، مؤكدًا على تواضعه وكسراً لأي حاجز يفرقه عن أمته.

3. ختاماً: السيرة النبوية نبراس للحقوق

إن قضية حقوق الإنسان التي يتنازعها العالم اليوم، نجدها مُطبقة بأسمى صورها في السيرة النبوية. إنها مساواة حقيقية تجعل التقوى هي الميزان، والعمل هو المعيار. حريٌّ بنا، أفرادًا ومجتمعات، أن نعود إلى هذا المعين الصافي، لنستلهم منه قيم العدل والإخاء، متمثلين قوله تعالى:

{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَاليَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21].


مدار الساعة ـ