أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين مقالات مختارة أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات الموقف مناسبات جاهات واعراس مستثمرون شهادة جامعات بنوك وشركات خليجيات مغاربيات دين ثقافة رياضة اخبار خفيفة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

البستنجي يكتب: المعلّم المبدع.. صانع تجارب التعلّم الممتعة والداعمة للتفكير العميق


إياد يوسف البستنجي

البستنجي يكتب: المعلّم المبدع.. صانع تجارب التعلّم الممتعة والداعمة للتفكير العميق

مدار الساعة ـ

سلسلة مقالات بداية العام الدراسي الجديد.

المرحلة الخامسة

الابتكار التربوي واستراتيجيات القيادة الصفية والتربوية في القرن 21.

المقال الأول :

المعلّم المبدع: صانع تجارب التعلّم الممتعة والداعمة للتفكير العميق.

في القرن الحادي والعشرين لم يعد دور المعلّم مجرد ناقل للمعلومة أو شارح لمحتوى الكتاب؛ فقد تغيّر المشهد التربوي كليًا، وظهرت الحاجة إلى معلم يمتلك روح الابتكار، ويصنع تجارب تعلم حقيقية، ويحوّل غرفة الصف إلى مساحة نابضة بالحياة والاكتشاف.

إن المعلم المبدع هو ذلك القادر على أن يرى في كل درس فرصة لإشعال شرارة الفضول، وفي كل نشاط مساحة لاكتشاف موهبة، وفي كل موقف تربوي لحظة لصناعة أثر يبقى في ذاكرة الطالب لسنوات. إنه معلم يبحث، يجرب، يبتكر، ويغامر تربويًا ليجعل التعلم تجربة حيّة لا تُنسى.

وقد أكدت دراسة Journal of Educational Psychology – 2022 أن دمج التفكير التصميمي في تخطيط الدروس يرفع المشاركة الطلابية بنسبة 30%، ويُحسّن التحصيل بشكل ملحوظ، وهو ما يجعل الإبداع ضرورة تربوية لا ترفًا.

⿡ مفهوم المعلّم المبدع

المعلم المبدع ليس تقليديًا في أفكاره أو ممارساته؛ بل هو معلم:

- يبتكر ولا يكرر

يفكر خارج إطار الدرس المألوف، فيحوّل المحتوى المجرد إلى خبرة واقع ملموس، ويبحث دائمًا عن النشاط الذي يشعل التفكير ويُحفّز المشاركة.

- يوظّف التفكير التصميمي (Design Thinking)

يبدأ من احتياجات الطلاب قبل أي شيء؛ يجمع الملاحظات، يفهم التحديات، ثم يعيد بناء الدرس عبر مراحل النمذجة والتجريب والتحسين المستمر، حتى يصل إلى أفضل نسخة تعليمية.

- يمتلك مرونة تربوية عالية

يعرف متى يغيّر الاستراتيجية، ومتى يصعد مستوى التحدي أو يخفّضه، وكيف يخلق تعلّمًا يناسب قدرات جميع الطلبة، بحيث يشعر كل طالب أن الدرس كُتب لأجله.

- يعلّم ليصنع أثرًا

الهدف ليس إنهاء الدرس، بل تحويله إلى تجربة تبقى، وذكرى تعليمية تحفّز الفضول، وتعمّق الفهم، وتُنمّي التفكير.

مثال تطبيقي

تصميم درس علوم باستخدام PhET Simulations حيث يعيش الطالب التجربة العلمية داخل بيئة محاكاة تفاعلية، فيفهم الظاهرة ويحلّلها ويجربها مرارًا دون خوف من الخطأ.

⿢ استراتيجيات المعلّم المبدع

يمتلك المعلّم المبدع "حقيبة ابتكار" واسعة ومتنوعة، يستخدمها بذكاء ليحوّل الدرس إلى رحلة ممتعة وعميقة.

1. الأنشطة الصفية المبتكرة

تشمل:

ألعاب تعليمية مثل: Kahoot – Quizizz

محاكاة وتجارب افتراضية

تحديات قصيرة تعتمد على التفكير والحركة

أنشطة حسية تُعيد النشاط والحيوية

هذه الأنشطة لا ترفع الدافعية فقط، بل تجعل الطالب يختبر المفهوم بيده وعقله، لا بعينه فقط.

2. التعلّم القائم على المشاريع (PBL)

يربط المعلّم المبدع محتوى الدروس بحياة الطلاب عبر مشاريع تطبيقية مثل:

إنشاء نماذج علمية صغيرة

إعداد عروض عبر Canva

بناء لوحات معرفية مشتركة على Padlet

هذا النوع من التعلم يجعل الطالب باحثًا، مسؤولًا، ومالكًا لمشروع حقيقي يشعر بالفخر عند عرضه.

3. التعلّم التفاعلي باستخدام الوسائط الرقمية

أدوات مثل:

Nearpod لرحلات التعلم التفاعلية

Edpuzzle لدمج الأسئلة داخل الفيديو

تقنيات الواقع المعزز (AR) والواقع الافتراضي (VR)

هذه الوسائط تمنح الطالب تجربة متعددة الحواس، وتحوّل الدرس إلى مغامرة معرفية لا تُنسى.

4. التغذية الراجعة البنّاءة

المعلم المبدع لا يكتفي بدرجات أو صح/خطأ، بل يقدم تغذية راجعة:

فورية

محددة

محفزة

موجّهة نحو التحسين

فهو يؤمن أن الملاحظة الذكية قد تغير أداء الطالب وثقته بنفسه في لحظة واحدة.

⿣ أثر المعلّم المبدع على الطلاب

وجود معلم مبدع في الصف لا يمرّ مرورًا عابرًا… بل يصنع تحولًا واضحًا، من أهم آثاره:

- ارتفاع التحفيز والانخراط

يشعر الطالب أنه جزء من التجربة، وأن صوته وحركته وفكرته لها قيمة في المسار التعليمي.

- تنمية مهارات التفكير العليا

مثل:

الإبداع

التفكير النقدي

حل المشكلات

اتخاذ القرار

وهي مهارات الحياة والمستقبل، لا مجرد مهارات دراسية.

- تعزيز التعاون والعمل الجماعي

خاصة في المشاريع المشتركة التي تبني لدى الطلاب مهارات التواصل، وحل النزاعات، وتنظيم الأدوار.

- بناء ثقافة تعلم مستدامة

يتحوّل الدرس إلى خبرة عميقة تبقى في الذاكرة، لا إلى معلومات تُكتَب ثم تُنسى بعد الامتحان.

⿤ دور المعلّم المبدع في منظومة التعليم

المعلم المبدع يمارس أدوارًا متداخلة، تجعل منه محورًا حيويًا داخل المدرسة:

- مصمم تربوي مبتكر

يعيد تشكيل الدرس، ويضيف إليه لمسة إبداعية تجعل التعلم جذابًا ومؤثرًا.

- موجّه وملهم

لا يعطي الإجابات جاهزة، بل يقود الطلاب إلى اكتشافها بأنفسهم عبر أسئلة ذكية ومحفّزة.

- قدوة عملية

يمثل القيم التي يعلّمها؛ فيرى الطالب الانضباط والاحترام والإبداع في سلوك معلمه قبل كلماته.

- مقيّم مستمر للعمليات التعليمية

لا ينتظر نهاية الفصل، بل يراقب أثر كل نشاط، ويعدّل خطته يوميًا بناء على التغذية الراجعة.

مثال عملي

استخدام Edpuzzle في درس تاريخي مع أسئلة ناقدة، ثم تحليل إجابات الطلاب لتطوير الدرس اعتمادًا على البيانات الصفية.

? المعلّم المبدع… ليس معلمًا فقط بل صانع أثر تربوي

المعلم المبدع هو حجر الأساس في جودة التعليم، وصانع الفرق الحقيقي في رحلة الطالب.

إنه من يحوّل الصف إلى مختبر معرفي، ويُشعل شغفًا يدوم، ويغرس قيمًا ومهارات تمتد إلى الحياة كلها.

ويبقى المبدأ الذي يلخص دوره:

? "المعلم المبدع لا يشرح الدرس… بل يصنع تجربة تعلم تُلهم، تُحفّز، وتُغيّر."

مدار الساعة ـ