أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة مستثمرون شهادة الموقف مناسبات جاهات واعراس جامعات بنوك وشركات خليجيات مغاربيات دين اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

أبو زيد يكتب: تجارة البشر.. وموسم الهجرة إلى الشمال بين فقرٍ خانق ووهم النجاة


زيد أبو زيد
أمين سر المكتب السياسي لحزب مسار

أبو زيد يكتب: تجارة البشر.. وموسم الهجرة إلى الشمال بين فقرٍ خانق ووهم النجاة

زيد أبو زيد
زيد أبو زيد
أمين سر المكتب السياسي لحزب مسار
مدار الساعة ـ

لا يختلف اثنان من المهتمّين بالشأن الإنساني على أنّ البحث عن فرصة عمل في دول الجنوب النامي، ولا سيّما في القارّتين الإفريقية والآسيوية، بات أشبه بالبحث عن إبرة في كومة قشّ ضخمة. فظروف المعيشة القاسية تُقوِّض إمكانات الإبداع والتنمية، وتُفرغ المجتمعات من طاقاتها، خصوصًا في ظلّ سياسات الإفقار الممنهج التي مارستها دول الشمال عبر عقود طويلة من الاستعمار ونهب الثروات واستعباد الشعوب، وتركت وراءها إرثًا من الفقر والجوع والمرض والبطالة.

ولذلك يبدو واضحًا أنّ الهجرة غير النظامية لن تتوقف ما لم تُعالج جذورها العميقة، وفي مقدّمها غياب فرص العمل. ولن يتحقق ذلك إلا عبر مشاريع تنموية واستثمارية حقيقية داخل الدول النامية، تُموَّل من الدول الصناعية الكبرى باعتبارها جزءًا من مسؤوليتها التاريخية والأخلاقية والإنسانية، وكذلك مسؤوليتها الواقعية في تخفيف ضغط الهجرة على حدودها.

واجب الدول الغنية في تمويل التنمية… حماية للجميع

إنّ على الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا الغربية والصين واليابان وكوريا الجنوبية، بالإضافة إلى دول الخليج العربية الشقيقة، أن تُعيد النظر جذريًّا في طريقة تعاملها مع ملف الهجرة. فبدلًا من التعامل مع المهاجر بعد مغادرته وطنه، يمكنها:

• تمويل مشاريع كبرى في الدول النامية تخلق الوظائف وتُنعش الاقتصاد.

• تأسيس قطاعات صناعية واستثمارية تُبقي الشباب في أوطانهم.

• دعم البنى التحتية التي تسمح بخلق بيئة اقتصادية منتجة.

فبهذه الطريقة تنخفض معدلات الهجرة غير الشرعية، وينخفض معها الضغط السياسي والاجتماعي والاقتصادي على دول الشمال نفسها.

الاستقطاب المنظّم للشباب المؤهّل

ويمكن للدول الغنية كذلك أن تعتمد استقطابًا ممنهجًا ومنظمًا للشباب المؤهل عبر:

1. قنوات دبلوماسية رسمية.

2. اتفاقيات واضحة ومعلنة تطلب فيها حاجتها من العمالة المدربة.

3. آليات تضمن حقوق العامل والدولة المرسلة والدولة المستقبلة.

بهذا الأسلوب، ينتقل من هو قادر على العمل داخل إطار قانوني وإنساني، بينما يتمكّن من هم غير مؤهلين من البقاء في أوطانهم والاستفادة من المشاريع الاستثمارية التي يجب أن تتوافر بدعم الدول الغنية.

عصابات الاتجار بالبشر… بوابة الجحيم

لقد ازدادت خطورة شبكات الاتجار بالبشر التي تعمل في أميركا اللاتينية والمكسيك وأوروبا وحتى في دول مستقرة كالاردن، فتستدرج الشباب بوعود وهمية باللجوء الإنساني والسياسي. ويقع كثيرون ضحية لهذه الخدعة، فيواجهون:

• الموت غرقًا في “قوارب الموت”،

• أو الضياع في الغابات والحدود،

• أو الابتزاز والسرقة والاستغلال،

• فيما يصل القليل منهم إلى “المجهول” بدلًا من الحلم.

وأمام هذا الواقع، يصبح تعزيز التنمية في الدول النامية خط الدفاع الأول ضد الاتجار بالبشر.

الهجرة… مأساة الدولة المرسِلة والمستقبِلة والمهاجر نفسه

الهجرة ليست مجرد انتقال فرد من بلد إلى آخر، بل هي معضلة ثلاثية:

1. الدولة الطاردة تخسر شبابها وكفاءاتها.

2. الدولة المستقبِلة تتحمّل أعباء الاندماج والتدريب والتأهيل.

3. المهاجر نفسه يفقد وطنه وبيئته وثقافته، ويبدأ حياة قاسية في مجتمع جديد.

ولذلك فإن الحل الحقيقي يجب أن يبدأ من أصل المشكلة: غياب التنمية.

الحل: مشاريع الاستثمار والتنمية أوّلًا

إنّ أفضل استثمار يمكن أن تقوم به الدول الغنية ليس في بناء الجدران، ولا في تكثيف الدوريات على الحدود، بل في:

• بناء مصانع في إفريقيا وآسيا.

• تمويل مشاريع زراعية وصناعية في البلدان الفقيرة.

• إقامة مراكز تدريب وتأهيل مهني للشباب.

• دعم التعليم والتكنولوجيا والبنى الإنتاجية.

• فتح أبواب العمل القانوني المنظّم لمن يحتاجه.

هكذا فقط يمكن للعالم أن يواجه الهجرة غير الشرعية، ويقضي على تجارة البشر، ويمنح الشباب فرصة للعيش بكرامة حيث ولّدوا وحيث ينتمون ويعشقون الحياة .

مدار الساعة ـ