مدار الساعة -السؤال:أنا أمٌّ مكلومةٌ في ولَدَيَّ وبنتي، الذين توفّوا قبل سنة في حريق. والحمد لله، لم يبلغ أكبرهم الثانية عشرة، ولم يكونوا قد بلغوا بعد، وكانوا يصلّون ويصومون.
حدث الحريق في منزل أهلي؛ إذ كنت نائمة عندهم تلك الليلة، وقبل الفجر بساعتين، وبينما كنّا نيامًا استيقظتُ على فاجعة. ومن هول الموقف بدأت أصرخ. نجا لي ولدان كبيران، أمّا الثلاثة الصغار فتوفّوا. وأخبروني بعد ذلك أنهم -على ما يبدو- استيقظوا وقفزوا من شباك المنور، لكن الدخان والنار أدركاهم فاختنقوا، وتفحّمت أجسادهم الصغيرة.أمّا أنا فأخرجوني؛ لأنني كنت الأقرب إلى الباب. أمّا هم فكانت النيران حاجزًا بيني وبينهم، عدا البنت؛ فأنا من نطق لساني -بلا وعي- بأن تقفز إلى النافذة، ظننتُ أنه أأمن لها، وكنت كالمُغشى عليّ أو في نصف وعي. لا أدري… كأنّ هناك من يحرّكني أو يقودني.أنا أتعذّب منذ سنة من مشاعر تأنيب الضمير؛ فالأحداث كانت سريعة ومخيفة، وكنت مختنقة من أثر الدخان. فهل تَعذّب أطفالي في موتتهم هذه؟ وهل عليّ ذنب تجاههم؟أنا أصلّي وأدعو، وملازمة للأذكار وقراءة القرآن وحفظه، لكني أبكي وأتحسّر على أولادي الذين توفّوا، وأطلب منهم أن يسامحوني دائمًا، والحمد لله على كل ما قدّره لي. فهل هذا عقاب من ربّي لي ولِوالدهم؟أنا -والحمد لله- طيبة، وبَرّة بوالدتي المتوفّاة قبلهم بشهور، وأصلّي ولا أؤذي أحدًا، لكن لا يخلو المرء من الذنوب.وشكرًا جزيلًا لكم.الإجابــة:الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:فنقول أولاً: عظم أجرك، وجبر مصابك، وأحسن عزاءك في أولادك، ونسأل الله أن ينزل بك من الصبر والاحتساب والرضا ما يزيل عنك ثقل هذا البلاء، ويخفف عنك وطأته.أما بالنسبة لما حدث، فإن هذا قضاء الله وقدره، ولا ذنب لك فيه، واعلمي أن الله أرحم بأولادك منك، وما على المؤمنين في مثل هذه الأحوال إلا أن يتلقوا ذلك بالصبر والرضا، فنحن عبيده، وهو ربنا، له الحكمة البالغة في هذا البلاء.ولو نظرتِ إلى من ابتُلي بأشد مما ابتليتِ به، لهانت عليك مصيبتك، ولو تأملت ما في هذا البلاء من حكم، لازددت صبرًا ورضا.أما أولادك، فقد قدر الله عليهم ذلك قبل أن يجري عليهم قلم التكليف، فلا حساب ولا عقاب، وهنيئًا لمن قدم على ربه بلا ذنب يؤخذ بجريرته، كما أن الله قد أكرمهم فنالوا بموتتهم هذه مرتبة الشهادة، وهي مرتبة عظيمة في الإسلام، يصطفي الله لها من يشاء من عباده؛ فقد روى مالك في الموطأ، وأصحاب السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الشهداء سبعة، سوى القتل في سبيل الله، المطعون شهيد، والغِرق شهيد، وصاحب ذات الجنب شهيد، والمبطون شهيد، والحَرِقُ شهيد، والذي يموت تحت الهدم شهيد، والمرأة تموت بجمعٍ شهيد.وألم الموت قد ذهب عنهم وانقضى، وهم في رحمة الله وكرمه يتقلبون، فلا تبتئسي، ولا تحزني.وأما أنت ووالدهم، فمع نيل أولادكم مرتبة الشهادة، فطيبوا نفسًا بما نسرده عليكم من الأحاديث التي تبشركم بما ينتظركم من النعيم والأجر الكبير، ونيل أعظم ما يتمناه الإنسان إذا قدم على ربه.فقد روى مسلم في صحيحه من حديث أبي حسان قال: قلت لأبي هريرة: إنه قد مات لي ابنان، فما أنت محدثي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديث تطيب به أنفسنا عن موتانا؟ قال: قال: نعم، صغارهم دعاميص الجنة، يتلقى أحدهم أباه، أو قال أبويه، فيأخذ بثوبه، أو قال بيده، كما آخذ أنا بصنفة ثوبك هذا، فلا يتناهى، أو قال: فلا ينتهي حتى يدخله الله وأباه الجنة.وفي الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من مسلم يموت له ثلاثة لم يبلغوا الحنث، إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم.وفيهما أيضًا: أيما امرأة مات لها ثلاثة من الولد، كانوا حجابًا من النار. قالت امرأة: واثنان، قال: واثنان.وفي صحيح مسلم: لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد فتمسه النار إلا تحلة القسم.وفي سنن النسائي: ما من مسلمين يموت بينهما ثلاثة أولاد لم يبلغوا الحنث، إلا أدخلهما الله بفضل رحمته إياهم الجنة، يقال لهم: ادخلوا الجنة، فيقولون حتى يدخل آباؤنا فيقال: ادخلوا الجنة أنتم وآباؤكم.وفي الطبراني: ما من مسلمين يموت لهما ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث، إلا جيء بهم يوم القيامة حتى يوقفوا على باب الجنة، فيقال: لهم ادخلوا الجنة، فيقولون: حتى يدخل آباؤنا، فيقال لهم: ادخلوا أنتم وآباؤكم.وأما كون ما حصل قد يكون عقوبة لكما بسبب ذنوبكما، فإن الإنسان معرض في هذه الحياة الدنيا للمصائب والابتلاءات، ولا يلزم أن يكون كل ما يناله من ذلك بسبب ذنوب ارتكبها، بل قد يصاب ويبتلى لأسباب أخرىونوصيك بأن تحتسبي أجر هذه المصيبة عند الله، والإكثار من حمد الله ودعائه، والانطراح بين يديه أن يرزقك الرضا، وعليك أن تشغلي نفسك بالأعمال الصالحة النافعة، وأن تصرفي نظرك كلما خطر ببالك هذا الأمر.والله أعلم.كيف تتلقى قضاء الله؟ ما حكم من فقدت ثلاثة من أبنائها في حادث مأساوي ومفاجئ.. علماء يكشفون الأجر
مدار الساعة ـ











