أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات وظائف للأردنيين أحزاب مجتمع أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة جاهات واعراس مستثمرون شهادة الموقف مناسبات جامعات بنوك وشركات خليجيات مغاربيات دين اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

الروابدة تكتب: إنتاج المحاصيل الزراعية في الأردن بين الفوضى والتنظيم.. الأسباب – التحديات – الحلول


المهندسة الزراعية فداء الروابدة

الروابدة تكتب: إنتاج المحاصيل الزراعية في الأردن بين الفوضى والتنظيم.. الأسباب – التحديات – الحلول

مدار الساعة ـ

شهد عام 2025 مع قرب نهايته حالة غير مسبوقة من فوضى الإنتاج في القطاع الزراعي من الخضار والفواكه على مستوى العالم نتيجة تأثير عوامل زراعية واقتصادية ومناخية عديدة . فقد أدى عدم التوازن بين العرض والطلب، وغياب التخطيط الزراعي السليم، وتقلبات الطقس المختلفة إلى اضطرابات كبيرة في الأسواق في الكثير من الدول. وظهر ذلك من خلال الإرتفاع المفاجئ في الأسعار تارة ، ثم انهيار سريع تارة أخرى نتيجة الفائض الكبير، إلى جانب تلف كميات لا يستهان بها من المحاصيل بسبب سوء التخزين.

وفي الاردن شهد القطاع الزراعي ما شهده كثير من الدول من تذبذب واضح في إنتاج الخضار والفواكه، انعكست على المزارعين والمستهلكين والسوق المحلي. فقد توسّع العديد من المزارعين في زراعة محاصيل معينة اعتماداً على تقديرات فردية وتوقعات غير دقيقة مما أدى إلى تراكم كميات كبيرة من أصناف مثل البندورة والكوسا والخيار وغيرها ، في مقابل نقص محاصيل أخرى يحتاجها السوق.

وزادت الظروف المناخية غير المستقرة من التحديات ،فقد أدت موجات الحر المبكرة والصقيع المتأخر إلى إرتباك مواسم النمو وتذبذب كميات الإنتاج وجودته. وفي ظل ارتفاع تكاليف مدخلات الإنتاج زادت خسائر المزارعين.وهكذا وجد المزارع الأردني نفسه أمام معادلة صعبة من تكاليف ترتفع باستمرار، وأسعار بيع تهبط فجأة، وفائض محاصيل لا يجد طريقو إلى التة للتصرف بها أو تصنيعها.

ولم تتوقف آثار الأزمة عند حدود المزارعين، بل وصلت إلى المستهلكين الذين شهدوا تقلباً كبيراً في الأسعار، وضعفاً في جودة بعض الأصناف خلال فترات الإنتاج الكبير نتيجة القطف المبكر أو التخزين غير السليم. ومع محدودية قنوات التصدير وضعف القدرة على تنظيم تدفق المحاصيل، برزت الحاجة الملحة إلى إعادة النظر في منظومة الإنتاج ككل.

إن فوضى الإنتاج الزراعي تعني بإختصار غياب التوازن بين ما يُنتج في الحقول وما يحتاجه السوق، سواء بحدوث فائض كبير يؤدي إلى إنهيار الأسعار، أو بنقص حاد يؤدي إلى إرتفاعها. وهذا الإختلال يعود في جزء كبير منه إلى ضعف قاعدة البيانات وغياب المعلومات الدقيقة حول المساحات المزروعة، وكميات الإنتاج الفعلية، والإستهلاك المحلي، وكميات التصدير والإستيراد، إضافة إلى أن القرارات الزراعية غالباً ما تُتخذ بصورة فردية لا تستند إلى دراسات علمية واقعية. وتساهم مجموعة من عوامل البنية التحتية في تعميق هذه الأزمة، من أبرزها صغر الحيازات الزراعية وتشتتها، مما يجعل من الصعب تنظيم الإنتاج ورفع كفاءته، ويعيق قدرة المزارعين على الإستثمار في التقنيات الحديثة. كما أن غياب التعاقدات المسبقة بين المزارعين والمصانع والمصدرين يجعل عملية التسويق خاضعة للمزاج اليومي للسوق. ويزيد من تعقيد المشكلة التأثير الكبير للتغيرات المناخية ومحدودية الموارد المائية، إضافة إلى ضعف التصنيع الغذائي الذي لا يزال غير قادر على استيعاب فائض الإنتاج في مواسم الذروة. وتظهر هذه التحديات بوضوح في صور اقتصادية واجتماعية واضحة، منها خروج بعض المزارعين من قطاع الزراعة بعد تراكم الخسائر والديون، وتراجع فرص العمل في المناطق الريفية، وتزايد رفض الشباب العمل الزراعي، عدا عن عن ارتفاع الفاقد من المحاصيل بعد الحصاد الذي يصل في بعض المحاصيل يتراوح بين 30-40% بسبب محدودية مراكز الفرز والتدريج والتبريد.

من هنا يجب العمل على إنشاء نظام وطني متكامل لتخطيط الإنتاج الزراعي، يحدد المحاصيل المناسبة لكل منطقة ويضبط مواعيد الزراعة، وفق احتياجات السوق المحلي وقدرات التصدير. كما يجب العمل على إنشاء منصة رقمية وطنية توفر بيانات دقيقة ومحدّثة حول الإنتاج والإستهلاك والطقس والآفات، بما يساعد في اتخاذ قرارات زراعية مبنية على علم ومعلومات. ويتطلب الأمر ايضاً تعزيز مفهوم الزراعة التعاقدية وربط المزارعين بالمصانع والمصدرين، إضافة إلى تطوير سلاسل التزويد والتخزين من خلال إنشاء مراكز تجميع وفرز وتبريد ونقل مبرد في المناطق التي تشهد إنتاج زراعي وفير، بحيث ترتبط الأسعار بالجودة والمواصفات.

وفي ظل الظروف المحلية والإقليمية، يصبح دعم التصنيع الغذائي خطوة واجبة لتقليل الخسائر وامتصاص الفائض في مواسم الإنتاج المرتفع. كما يتطلب الوضع إعادة تنظيم الأسواق المركزية عبر رقمنة التعاملات والحد من عدد الوسطاء وفرض الشفافية في الأسعار. أما على مستوى المخاطر المناخية، فيجب تعزيز دور صندوق المخاطر الزراعية وتطوير نظام إنذار مبكر يساعد المزارعين على التعامل مع موجات الصقيع والحرارة والآفات قدر الإمكان لتخفيف الآثار المترتبة على ذلك.

إن ما حدث هذا العام من فوضى في الإنتاج يعتبر رسالة واضحة للجميع بضرورة إعادة هيكلة القطاع الزراعي ليكون أكثر تنظيماً ومرونة وقدرة على التنبؤ. فالأمن الغذائي لن يتحقق من خلال زيادة الإنتاج فقط، بل عبر إنتاج منظم ومدروس ومتوافق مع احتياجات السوق.

الخلاصة

الزراعة ليست مجرد إنتاج، بل منظومة مترابطة تحتاج إلى رؤية موحدة وسياسات واضحة. وما حدث من فوضى في الانتاج الزراعي لم تضر المزارع فقط، بل تنعكس على المستهلكين والأسواق والأمن الغذائي. وذلك يتطلب حلولا جذرية في طريقة إدارة الإنتاج الزراعي عبر تبني التخطيط الوطني المبني على البيانات، وتطوير سلاسل التزويد والتخزين، وتعزيز التصنيع الغذائي، وتنظيم الأسواق المركزية، وتقوية أدوات مواجهة التغير المناخي. وعندما يصبح الإنتاج أكثر تكاملاً مع احتياجات السوق ويمتلك المزارع المعلومة والتسويق السليم، يمكن للأردن أن يتحول إلى قطاع زراعي مستقر وقادر وتحسين دخل المزارعين وضمان استدامة الموارد.

مدار الساعة ـ