تبدو الحروب في معظم أنحاء العالم واضحةَ الأطراف والأهداف، ويمكن للمراقب المتابع أن يميّز غالبًا بين الظالم والمظلوم، وبين المعتدي والمعتدى عليه. غير أنّ الحرب الدائرة اليوم في السودان هي جرحٌ نازفٌ في الجسد العربي كلّه؛ حربٌ بين أبناء شعب واحد، تآكلتهم الصراعات، وتلاعبت بمصيرهم المصالح الضيقة، وغاب عنها كل منطق سوى صراعٍ عبثي على السلطة، وقد اختلطت فيها خيوط التمويل والتدخلات حتى بتنا نجهل مآلاتها.
إنّ استمرار القتال وسفك الدماء والتهجير لا يهدد السودان وحده، بل يهدد مستقبل المنطقة بأسرها. ومن هنا، فإن وقف الحرب فورًا، ووقف تمويلها من أي طرف، هو واجبٌ أخلاقي وإنساني وعربي. فالوطن العربي لم يعد يحتمل المزيد من الجراح؛ يكفينا ما نعيشه من نزيفٍ فلسطينيٍ مستمرّ، و استباحة في سوريا ولبنان، وانقسامات في اليمن وليبيا، وها هو السودان اليوم يُضاف إلى خارطة الألم العربي.السودان والواقع العربي… جراح متراكمة وضرورة مراجعةفي زمن تتعاظم فيه تأثيرات القوى الكبرى على ميزان الاقتصاد والسياسة، وفي ظل سنواتٍ قاسية من التجزئة والانقسام، بدأت ملامح محاور عربية وإقليمية جديدة تتشكل. وهذه اللحظة تستوجب تجاوز منطق المحاور الضيقة، والانتقال نحو فضاء عربي – إفريقي مشترك يشكل سدًّا منيعًا أمام التدخلات الخارجية، ويخلق أرضيةً صلبةً لمشاريع اقتصادية وتنموية كبرى.لقد نشأنا على حلم الوحدة، وكنا نردّد في صباحات المدارس:بلادُ العربِ أوطانيمن الشام لبغدانِومن نجدٍ إلى يمنٍإلى مصرَ فتطوانِكان هذا النشيد يفتح أمامنا خيالًا عربيًا واحدًا، رغم حدود رسمها المستعمرون لتمزيق جسد الأمة ونهب ثرواتها. كنت أسمع أبي يردده بحماس ويقول: “الوطن العربي يا ولدي وطنٌ واحد، قسّمه الغريب ليستغله ثم يرحل ويترك جراحه خلفه.”مشروع الوحدة… حلمٌ جرى خلفه المخلصونمنذ بدايات القرن العشرين أدرك العرب أنّ الاستعمار لم يغادر الأرض إلّا بعد أن ترك خلفه شظايا أمة ممزقة. حاول المخلصون من قادة الأمة—جمال عبد الناصر، وشكري القوتلي، ومعمر القذافي، والملك الحسين طيّب الله ثراه—أن يعيدوا جمع هذا الشتات. لكنّ الصراع بين تيارات التحرر القومي وتيارات الارتباط بالغرب أبقى المشروع العربي في دائرة التردد، حتى تراجع حلم الوحدة إلى حدوده الدنيا، واقتصر على مؤسسة الجامعة العربية التي تأثرت بدورها بحسابات كل دولة ومصالحها الخاصة.ورغم كل هذا، ما يزال ما يجمع العرب أكبر بكثير مما يفرقهم:اللغة، والدين، والثقافة، والمصير المشترك، والجغرافيا، والامتداد التاريخي… كلها روابط تجعل فكرة الوحدة ليست ترفًا سياسيًا، بل ضرورة وجودية.السودان… دعوة إلى وقف نزيف الدمثلثا العالم العربي يقع في إفريقيا، ولهذا فإن السودان ليس ملفًا عربيًا فحسب، بل عقدة وصلٍ عربية – إفريقية، وانفجاره يهدد جبهتين معًا. لذلك فإن وقف الحرب في السودان ليس خيارًا، بل ضرورة عربية وإفريقية ودولية.وما يقلّل من شأن الدعوة إلى إيقاف الحرب إنما هو قصور في الرؤية، فكل يوم يمرّ يبتعد السودان فيه عن الاستقرار، وتتعاظم احتمالات التقسيم، وترتفع كلفة إعادة الإعمار.إن تعزيز العلاقات العربية – الإفريقية، وبناء تكتل عربي إفريقي حقيقي، قد يكون المفتاح الوحيد لإنقاذ السودان ودعم القضايا العربية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية التي ما تزال جراحها مفتوحة في غزة والضفة الغربية والقدس.فلسطين… الجرح الذي لا يغيبوسط كل هذه الصراعات، يبقى الجرح الفلسطيني حاضرًا، شاهدًا دائمًا على عجزنا العربي، وعلى ضرورة أن نستكمل جهود وقف الحرب على غزة، وإعادة إعمارها، ووقف الاعتداءات على القدس والضفة، وتمكين الفلسطينيين من إقامة دولتهم المستقلة على أرضهم.حفظ الله الأردن، وحمى الله قائد الوطن، وحفظ الله أمتنا العربية من كل سوء.فلنستيقظ من غفلتنا، قبل أن نُفاجأ بأن ما تبقى من خرائطنا يتمزق، وما تبقى من أوطاننا ينزلق نحو المجهول.أبو زيد يكتب: السودان بين نار السلطة وغياب الحكمة… والنداء لإيقاف انهيار الأمة
زيد أبو زيد
أمين سر المكتب السياسي لحزب مسار
أبو زيد يكتب: السودان بين نار السلطة وغياب الحكمة… والنداء لإيقاف انهيار الأمة
زيد أبو زيد
أمين سر المكتب السياسي لحزب مسار
أمين سر المكتب السياسي لحزب مسار
مدار الساعة ـ