أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة الموقف مناسبات جاهات واعراس مستثمرون شهادة جامعات بنوك وشركات خليجيات مغاربيات دين رياضة اخبار خفيفة ثقافة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

البستنجي يكتب: التقويم البنائي للسلوك الرقمي في البيئة المدرسية


إياد يوسف البستنجي

البستنجي يكتب: التقويم البنائي للسلوك الرقمي في البيئة المدرسية

مدار الساعة ـ

سلسلة مقالات بداية العام الدراسي الجديد.

المرحلة الخامسة :

الابتكار التربوي واستراتيجيات القيادة الصفّية في القرن الحادي والعشرين.

نحو عام دراسي متجدد يقوم على التعلم الفعّال والبيئات الرقمية الآمنة.

المقال الثالث:

التقويم البنائي للسلوك الرقمي في البيئة المدرسية.

لم يعد العالم الرقمي مساحة جانبية في حياة الطالب، بل أصبح جزءًا محوريًا من تعلّمه، وتفاعله، وبناء هويته وشخصيته. فالفصل الدراسي اليوم لا ينحصر بين أربعة جدران، بل يمتد إلى فضاء واسع من المنصات والبرامج، حيث يُمارس الطالب أنشطة تعلّمية وتواصلية وإبداعية تشكّل قيمه واتجاهاته ومهاراته. وفي ظل هذا الامتداد العميق، لم يعد من الممكن إدارة المدرسة المعاصرة دون امتلاك منظومة واضحة لتقويم السلوك الرقمي للطلبة، ومتابعته، وتحسينه باستمرار.

وهنا يظهر مفهوم التقويم البنائي للسلوك الرقمي بوصفه أداة تربوية استراتيجية، تتجاوز فكرة الرقابة إلى بناء وعي، وتوجيه سلوك، وتعزيز قيم، وتحويل التقنية من تحدٍّ إلى فرصة تربوية.

أولاً: مفهوم التقويم البنائي للسلوك الرقمي

هو عملية تربوية مستمرة تهدف إلى متابعة سلوك المتعلمين في البيئة الرقمية، وتشخيص جوانب القوة والضعف في ممارساتهم الإلكترونية، وتقديم تغذية راجعة فورية تساعدهم على تنمية القيم الأخلاقية، والمهارات الرقمية، واتخاذ قرارات مسؤولة أثناء استخدام التقنية.

ويمتاز هذا التقويم بأنه:

مستمر: غير مرتبط بزمن أو نشاط محدد.

وقائي وعلاجي: يمنع المشكلات قبل وقوعها ويعالجها عند حدوثها.

ديناميكي: قادر على مواكبة تسارع التغير الرقمي.

مستند إلى البيانات: يبني قراراته على مؤشرات واقعية لا على الانطباعات.

قيمي: يهدف إلى ترسيخ السلوك الأخلاقي في العالم الرقمي.

ثانيًا: الأساس النظري للتقويم البنائي الرقمي

يمكن فهم هذا النوع من التقويم في ضوء جملة من النظريات التربوية الحديثة:

1. نظرية التعلم البنائي (Constructivism)

الطالب يُبني معرفته وسلوكه من خلال تفاعله مع البيئة الرقمية، وبالتالي يحتاج إلى تغذية راجعة مستمرة تساعده على التطور الذاتي.

2. نظرية التعلم الاجتماعي (Bandura)

السلوك الرقمي يتشكل عبر الملاحظة والمحاكاة؛ فالمعلم نموذج، والمنصة نموذج، والأقران نماذج مؤثرة.

3. مبادئ المواطنة الرقمية

وتشمل: الهوية الرقمية، الأمان، احترام الخصوصية، النزاهة الأكاديمية، السلوك الأخلاقي.

4. التعليم القائم على البيانات

قراءة سلوك الطالب الرقمي عبر المؤشرات الرقمية تمثل أساسًا لاتخاذ قرار تربوي واعٍ.

ثالثًا: لماذا تحتاج المدرسة إلى التقويم البنائي للسلوك الرقمي؟

لأن الطلبة يعيشون اليوم في فضاء سريع التغير، مفتوح الخيارات، غني بالمعلومات والمخاطر، مما يستدعي:

حماية الطلبة من التنمر الإلكتروني، المحتوى المضلل، الإدمان، وانتحال الهوية.

تعزيز قيم المسؤولية الرقمية واحترام الخصوصية والأمان المعلوماتي.

رفع جودة التعلم الرقمي عبر فهم أنماط استخدام الطالب للمنصات.

تحويل الطلبة إلى منتجين رقميين مسؤولين بدلاً من مستهلكين عابرين.

بناء هوية رقمية أخلاقية ترافق الطالب في مراحل حياته.

رابعًا: مؤشرات السلوك الرقمي (Digital Behavior Indicators)

لمتابعة السلوك الرقمي بفاعلية، ينبغي قياس مجموعة من المؤشرات، منها:

مؤشرات الأمان الرقمي: قوة كلمات المرور، عدم مشاركة البيانات، الالتزام بسياسات المدرسة.

إدارة الوقت أمام الشاشة: انتظام الدخول، مدة الاستخدام، الالتزام بالمهام.

جودة التواصل الرقمي: لغة مهذبة، خلوّ الرسائل من السخرية أو العدوانية.

النزاهة الأكاديمية الرقمية: عدم النسخ، ذكر المصادر، الالتزام بأخلاقيات البحث.

الهوية الرقمية: وضوح الملف الشخصي، الالتزام بصور وسلوكيات لائقة.

الإنتاج الرقمي الأخلاقي: نشر محتوى مفيد، احترام الملكية الفكرية.

هذه المؤشرات تساعد المعلم والقائد التربوي على متابعة تطور السلوك بشكل علمي.

خامسًا: أدوات التقويم البنائي للسلوك الرقمي

1. الملاحظة الصفية الرقمية

وتشمل متابعة:

طبيعة تفاعل الطالب داخل الحصة الإلكترونية.

احترامه لقواعد الأمن الرقمي.

أسلوب تعامله مع زملائه.

انضباطه بالوقت والمهام.

مثال عملي:

(تعليق سريع أثناء المهمة: "لاحظت أنك شاركت رابطًا غير موثوق… هل تعرف كيف نتحقق من موثوقيته؟").

2. ملفات الإنجاز الإلكترونية (E-Portfolios)

أداة تكشف عن:

تطور مهارات الطالب.

قدرته على التوثيق المنظم.

وعيه بالحقوق الرقمية.

طبيعة مشاركاته في المنصات.

3. معيارية للسلوك الرقمي Rubrics وتقيس بدقة:

النزاهة الأكاديمية.

جودة التواصل.

إدارة الهوية الرقمية.

السلوك الأخلاقي في استخدام الملفات والمنصات.

مثال: معيار "احترام خصوصية الآخرين" يُقاس بدرجة من 1–4.

4. تقارير المنصات التعليمية (Analytics)

توفر بيانات دقيقة عن:

وقت الاستخدام.

طبيعة التفاعل.

الرسائل المتبادلة.

الأنشطة الأكثر زيارة.

هذه البيانات تُترجم إلى قرارات تربوية ناضجة.

5. الملاحظة الأسرية (Parent Observation)

شراكة الأسرة عنصر أساسي في التقويم البنائي، من خلال:

مراقبة السلوك الرقمي في المنزل.

المتابعة اليومية.

توجيه العادات الصحية أمام الشاشة.

التزام الأبناء باتفاقية التكنولوجيا العائلية.

سادسًا: دور المنظومة التربوية في ترسيخ التقويم البنائي للسلوك الرقمي

السلوك الرقمي لا يمكن ضبطه بجهود فردية، بل يحتاج إلى منظومة مؤسسية متكاملة تشمل:

1. سياسات مدرسية واضحة للسلوك الرقمي

تشمل:

دليلًا للاستخدام الآمن والمسؤول.

بروتوكولات لحماية البيانات.

إجراءات تربوية للتعامل مع المشكلات الرقمية.

قواعد موحدة لجميع العاملين والطلبة.

2. تمكين الكوادر التربوية

من خلال تدريبهم على:

قراءة تقارير المنصات وتحليلها.

تصميم Rubrics معيارية مشتركة.

تفسير المؤشرات الرقمية وربطها بالسلوك.

بناء تدخلات تربوية تعتمد على البيانات.

3. تحويل المدرسة إلى بيئة رقمية آمنة

وذلك عبر:

بنية تحتية محمية.

دعم فني متواصل.

نظام متابعة تربوي غير عقابي.

منصات منضبطة وملائمة للأطفال.

4. تكامل الأدوار المهنية

تعمل المنظومة كوحدة واحدة:

المعلم يراقب ويوجه

المرشد يعالج ويدعم

المشرف يطور ويحسّن الأداء

الإدارة تنظّم وتنسّق

الباحث يحلل ويقترح حلولًا

الأسرة تشارك وتتابع

هذا التكامل يحول السلوك الرقمي إلى ملف تربوي جماعي.

5. ترسيخ ثقافة الحوار الرقمي

من خلال:

جلسات نقاشية حول الخصوصية والهوية الرقمية.

تحليل مواقف رقمية واقعية.

تدريب الطلبة على التحليل النقدي وفحص الأخبار.

تعزيز القيم الأخلاقية في التفاعل.

سابعًا: نماذج تطبيقية في الميدان المدرسي

1. ورش محاكاة المخاطر الرقمية

محاكاة مواقف حقيقية مثل:

تلقي روابط مجهولة،

مشاركة صور دون إذن،

انتحال شخصية،

ثم تحليل التصرف المناسب.

2. مشروع (سفراء السلوك الرقمي)

يختار الطلاب المتميزون أخلاقيًا لقيادة:

حملات توعوية،

فيديوهات قصيرة،

منشورات على منصة المدرسة.

3. أسبوع (هويتي الرقمية)

برنامج مدرسي متكامل يركز على:

بناء الهوية الرقمية،

حماية الخصوصية،

السلوك المسؤول في كل منصة.

4. خطط علاجية فردية

للطالب الذي تتكرر لديه السلوكيات الخاطئة:

جلسات إرشادية فردية،

مهام رقمية منضبطة،

تقارير أسبوعية،

إشراك الأسرة في الخطة.

? التقويم البنائي للسلوك

الرقمي ليس مجرد مجموعة أدوات تقنية، بل هو فلسفة تربوية شاملة تعيد صياغة العلاقة بين الطالب والتقنية، وتحوّل العالم الرقمي من مساحة فوضى إلى بيئة تعلم آمنة وواعية ومسؤولة.

وإن المدرسة التي تتقن هذا النوع من التقويم هي المدرسة التي تستطيع صناعة جيل:

واعٍ،

قوي،

منضبط،

منتج،

ومسؤول أخلاقيًا في عالم رقمي لا يتوقف عن التغير.

إن بناء وعي الطالب الرقمي مسؤولية تربوية مشتركة، ومهمة أخلاقية نبيلة، ورسالة مستقبلية لا يمكن تأجيلها.

مدار الساعة ـ