أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة الموقف مناسبات جاهات واعراس مستثمرون شهادة جامعات بنوك وشركات خليجيات مغاربيات دين رياضة اخبار خفيفة ثقافة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

النائب عوني الزعبي: الدستور ليس ورقة طوارئ… والبرلمان ليس عبئاً على الدولة

مدار الساعة,أخبار مجلس النواب الأردني,مجلس النواب
مدار الساعة ـ
حجم الخط

مدار الساعة - كتب: النائب المحامي عوني الزعبي - في الأيام الأخيرة طُرحت في النقاش العام أفكار تتحدّث عن حلّ مجلس النواب، والذهاب إلى انتخابات مبكرة، بل والتلويح بتعديل الدستور لتمديد المدد الزمنية لإجراء الانتخابات، بحجة المتغيرات الإقليمية، والضغوط الدولية، وما يُشاع عن احتمالات إعادة تصنيف جماعة الإخوان المسلمين في الخارج.

بصفتي نائباً في هذا المجلس، أجد لزاماً عليّ أن أوضح أن هذا المنطق، رغم ما يبدو عليه من “هدوء وتحليل”، يحمل في جوهره رؤية خطيرة لموقع البرلمان والدستور في معادلة الدولة الأردنية.

أولاً:- القول إن حلّ البرلمان أو تعديل الدستور خيار “طبيعي” في لحظات التحوّل، هو تبسيط مخلّ لتجربة الدولة الأردنية.

البرلمان ليس دائرة حكومية يمكن إغلاقها وإعادة فتحها وفق إيقاع الإقليم؛ هو مؤسسة شرعية منتخبة تمثّل العقد بين الدولة والمجتمع. كل مساس سهل بفكرة حلّ المجلس أو التلاعب بالمدد الدستورية يعني عملياً إضعاف ثقة المواطن بمنظومة الحكم الدستوري، ويحوّل الاستحقاقات الدستورية إلى بند تفاوض مع الظروف، لا إلى نصوص حاكمة فوق الظروف.

ثانياً :-ربط مستقبل البرلمان الأردني باحتمالات قرارات قد تتخذها دول أخرى، سواء في ملف “الإسلام السياسي” أو غيره، يحمّل مؤسساتنا المنتخبة ما لا تحتمل.

الأردن دولة ذات سيادة، تبني قراراتها على مصالحها الوطنية العليا، لا على توقعات ما قد يصدر من تصنيفات أو مواقف خارجية.

من الخطأ القبول ضمنيًا بأن شكل برلماننا، وتركيبته، ووجوده من عدمه، جزء من إدارة “ملف خارجي”. هذا ليس عدلًا بحق الدولة، ولا بحق مؤسساتها، ولا بحق الناخب الأردني الذي اختار نوابه وفق قانون نافذ وإرادة حرة.

ثالثاً :- التلويح بتعديل الدستور لإطالة المدد الزمنية لإجراء الانتخابات بحجة أن “أربعة أشهر لا تكفي” في بيئة مضطربة، يُدخلنا في منزلق خطير؛ لأن الدستور إذا فُتح بهذه الطريقة أمام الاستثناء اليوم، سيفتح غداً أمام استثناء آخر اقتصادي أو أمني أو صحي.

الدستور الأردني صمّام أمان، وقوة نصّه في ثباته واحترامه، لا في قابليته للتعديل كلما اشتد الضغط أو تغيّرت الحسابات.

رابعاً :- تصوير البرلمان وكأنه “أضعف حلقة” في المشهد، أو أنه غير قادر ببنيته الحالية على التعامل مع المتغيرات، فيه ظلم كبير للمؤسسة النيابية.

في الأزمات، تحتاج الدولة إلى مؤسسات شرعية تتحمل معها المسؤولية، لا إلى فراغ سياسي. وجود برلمان قوي، بصوته العالي أحياناً ونقاشه الحاد أحياناً أخرى، أفضل ألف مرة من مرحلة فراغ أو انتقال مربك، تُترك فيها الساحة للإشاعة والتأويل وغياب الشريك الشعبي في القرار.

أما الحديث عن تراجع عضوية الأحزاب أو حاجة المشهد الحزبي لمزيد من الوقت، فلا يُعالج بتعليق المسار الديمقراطي، بل بتعميقه وتطويره ودعم ثقافة المشاركة السياسية.

الأحزاب لا تقوى في بيئة خوف وتعليق وترقب، بل في بيئة استقرار والتزام بالمواعيد الدستورية واحترام لدور البرلمان والدورات الانتخابية.

خلاصة القول:

الاستقرار في الأردن لا يُصنع بتبديل البرلمانات تحت ضغط اللحظة الإقليمية، بل بتثبيت قواعد اللعبة الدستورية واحترام إرادة الناس، وتعزيز ثقة المواطن بأن صوته يُحترم حتى نهاية العمر الدستوري للمجلس الذي انتخبه.

من حق الجميع أن يناقش ويحلل ويقترح، لكن من واجبنا أن ندافع عن الدستور، وعن مكانة البرلمان، وأن نرفض أن يتحولا إلى “هامش مناورة” في مواجهة المتغيرات الخارجية.

البرلمان جزء من الحل، لا جزء من المشكلة.

وأي مشروع إصلاح حقيقي يبدأ من تكريس هذا المبدأ، لا من التمهيد النفسي لفكرة حلّه أو تعطيل استحقاقاته الدستورية كلما تغيّر الطقس السياسي في الإقليم.


مدار الساعة ـ