أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين مقالات مختارة أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات الموقف مناسبات جاهات واعراس مستثمرون شهادة جامعات بنوك وشركات خليجيات مغاربيات دين ثقافة رياضة اخبار خفيفة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

شطناوي يكتب: ولي العهد في إربد.. زيارة تحمل أفقاً جديداً للشباب الأردني

مدار الساعة,مناسبات أردنية,ولي العهد,الأمير الحسين بن عبد الله الثاني,وزارة العمل,التدريب المهني,وزارة التربية والتعليم
مدار الساعة ـ
حجم الخط

مدار الساعة - كتب ا.د. نورس شطناوي -

جاءت زيارة سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبد الله الثاني إلى محافظة إربد مطلع كانون الأول 2025 في سياق وطني دقيق يتطلب إعادة ترتيب الأولويات التنموية والتركيز على تمكين الشباب الأردني بمهارات عملية تواكب متطلبات سوق العمل. وقد شكلت هذه الزيارة إشارة واضحة إلى أن ملف التدريب المهني والتقني لم يعد تفصيلاً ثانوياً في السياسات العامة، بل بات محوراً أساسياً في معادلة التحديث الاقتصادي والاجتماعي التي تنتهجها الدولة.

ما ميّز الزيارة مضمونها الميداني والعملي، حيث افتتح سموه عدداً من المشاريع النوعية التي تعكس تحولاً عميقاً في فلسفة التأهيل المهني. فقد دشن حاضنة أعمال في فرع الإناث لكلية التدريب المهني المتقدم في إربد، وهي مساحة تستهدف دعم المشاريع الريادية الصغيرة ببيئة مجهزة للاستشارات الفنية والقانونية والتسويقية، إضافة إلى التدريب العملي على تطوير الأفكار وتحويلها إلى منتجات. كذلك افتتح سموه مركز “42 إربد” للبرمجة، التابع لمؤسسة ولي العهد، والذي يطرح نموذجاً تعليمياً مبتكراً يعتمد على التعلم التشاركي القائم على المشاريع بدلاً من المحاضرات والمدرسين، ويوفر فرصة للشباب من مختلف الأعمار لتعلم البرمجة وتطوير المهارات الرقمية بدون الحاجة لشهادات أكاديمية مسبقة.

تُعطي زيارة ولي العهد هذه المشاريع أهمية خاصة من منظور التنمية البشرية. فبرامج حاضنات الأعمال ومراكز البرمجة مثل “42 إربد” توفر مهارات عملية وعصرية تسد فجوات في سوق العمل، وتحفّز ريادة الأعمال والإبداع التقني بين الشباب. على سبيل المثال، تم تصميم مركز “42” لتمكين الأردنيين من جميع الأعمار (18-60 عاماً) من تعلم البرمجة والابتكار بحل مشكلات واقعية، دون شروط شهادات مبدئية، مما يساهم في تحضيرهم مباشرةً لسوق التكنولوجيا العالمي. كما أن دعم الكلية المتقدمة بنظم تدريب متطورة وشراكات دولية يعزز من إمكانات المتدربين وزيادة قابليتهم للتوظيف.

تضمنت الزيارة أيضاً جولة في فرع كلية التدريب المهني المتقدم في “حكما”، حيث اطلع سموه على المشاغل والتخصصات المتوفرة والتي يبلغ عددها 33 تخصصاً يلتحق بها أكثر من 400 متدرب ومتدربة، ضمن بيئة تدريبية تحاكي واقع سوق العمل من حيث الأدوات والمحتوى التقني. يُشار إلى أن هذا المشروع مدعوم من الحكومة الألمانية عبر بنك التنمية، بالشراكة مع وزارة العمل ومؤسسة ولي العهد، ما يضيف بعداً دولياً يعكس ثقة شركاء التنمية بمسار التحديث المهني في الأردن.

من الناحية العملية، يُتوقع أن تساهم هذه المبادرات في تخفيض معدلات البطالة بين الشباب، التي كانت مرتفعة حيث تصل إلى نحو نصف الشريحة العمرية حديثة التخرج. وإذ تشير الأرقام الإحصائية الأخيرة إلى خلق عشرات الآلاف من فرص العمل سنوياً في الأردن، فإن تأهيل الشباب مهنياً يزيد من قدرتهم على شغل تلك الوظائف أو خلقها بأنفسهم كمشاريع صغيرة ومتوسطة. كما تُعزز هذه البرامج التنسيق مع القطاعات الخاصة وحاجاتها عبر مجالس مهارات قطاعية، مما يجعل مخرجات التدريب التقني والمهني أكثر ربطاً بمتطلبات سوق العمل الفعلية.

الرسائل التي حملتها هذه الزيارة تتجاوز حدود إربد الجغرافية، إذ تأتي ضمن رؤية اقتصادية وطنية تسعى إلى رفع نسبة الملتحقين بالتعليم المهني إلى 50% بحلول عام 2032، بحسب تصريحات رسمية من وزارة التربية والتعليم. وتعكس فلسفة التحول من التعليم التقليدي النظري إلى التدريب العملي رغبة حقيقية في بناء اقتصاد إنتاجي مرن، قادر على خلق فرص حقيقية للشباب في ظل ارتفاع معدلات البطالة وتغير طبيعة الوظائف المطلوبة في السوق المحلي والإقليمي.

في المجمل، تؤكد زيارة ولي العهد إلى إربد رسالة واضحة مفادها أن تطوير قدرات الشباب عبر التعليم المهني والتقني هو أولوية وطنية، تتكامل فيها السياسة الملكية ورؤية التحديث الاقتصادي مع الخطط الحكومية. وترسخ هذه المبادرات دعامة أساسية لتنمية اقتصادية شاملة، حيث تساهم في بناء اقتصاد قائم على المهارات وتنويع مصادر الدخل الوطني، مع ضمان توزيعه بشكل عادل بين مختلف المناطق، خاصة إقليم الشمال. وإذا ما استمر هذا النهج المدعوم سياسياً وتنفيذياً، فإن الأثر سيكون أعمق من مجرد افتتاح منشآت أو دورات تدريبية؛ سيكون بمثابة إعادة تشكيل لعلاقة المواطن بسوق العمل، وتحفيز لديناميكية اقتصادية أكثر عدالة وشمولاً، تصنع من المهارة طريقاً نحو الاستقلالية والإنتاج.


مدار الساعة ـ