في الأسابيع الأخيرة، يبدو أن السفير الأمريكي في الأردن قد اكتشف جانباً جديداً في العمل الدبلوماسي؛ جانبٌ لا علاقة له بالمذكرات الرسمية ولا الاجتماعات البروتوكولية، بل يرتبط مباشرةً بزيارة الدواوين، واللقاء مع الوجهاء، وتبادل الابتسامات في المجالس الشعبية. فمن كثرة تنقّله بين المحافظات والمجتمعات المحلية، بات الرجل يحظى بحضور اجتماعي لا ينافسه فيه إلا المرشحون في موسم الانتخابات.
لم يعد مستغرباً أن ترى السفير يظهر في صورة وسط مدرسة، أو في مجلس عشائري، أو مع مجموعة من الشباب، أو حتى في افتتاح صغيرة لجمعية خيرية. الأجندة مزدحمة، والحركة يومية تقريباً، وكأن السفير قرر أن يقوم بعمل ميداني شامل يمسّ كل زاوية في البلاد.ضيافة اجتماعية… أم خطة سياسية ناعمة؟الأردنيون بطبعهم شعب مضياف، يحب استقبال الضيوف، ويستمتع بالمجالس والسوالف. لكن هذه الزيارات المتكرّرة للسفير أثارت موجة من التعليقات الخفيفة التي تتراوح بين المرح والتحليل. البعض يراها تعبيراً عن “اندماج” السفير في المجتمع، والبعض الآخر يعتبرها جزءاً من “دبلوماسية أمريكية اجتماعية” مدروسة، بينما يتندر البعض قائلاً:“السفير صار يعرف المجتمع الأردني أكثر من بعض المسؤولين!”الحقيقة أن الجانب الاجتماعي في الدبلوماسية ليس جديداً، لكنه اليوم يبدو أكثر وضوحاً من أي وقت مضى. فالتواصل المباشر مع الناس، وفتح قنوات مجتمعية جديدة، وحتى إظهار صورة مرنة للدبلوماسية الأمريكية… كلها أدوات يستخدمها السفير بحرفية ملحوظة.مشاهد اعتاد عليها الأردنيون الآن
باتت الصور التي تنتشر بشكل متكرر تخلق مشاهد مألوفة:السفير يجلس على كرسي بسيط في ديوان عشائري.السفير يحتسي القهوة العربية على مهل.السفير يلتقط الصور مع كبار السن والشباب.السفير يستمع، يناقش، يبتسم، ويغادر.هي مشاهد قريبة إلى القلب، لكنها أيضاً تحمل دلالات سياسية خفيفة لا يمكن تجاهلها. فالدبلوماسية الحديثة لم تعد تعتمد فقط على البيانات الرسمية، بل على بناء الانطباعات، وفهم المجتمع، وخلق مساحات مشتركة.بين الترحيب والسخرية… مساحة واسعة للفهم
في الأردن، حيث السياسة كثيراً ما تختلط بالدعابة، أخذت هذه الزيارات مساحة من المزاح الخفيف:“السفير صاير أكثر اجتماعية من بعض النواب.”“شكلهم عطوه خريطة كاملة للدواوين.”“الزلمة مندمج زيادة!”لكن رغم هذا الطابع المرح، يظل للزيارات بعد دبلوماسي واضح؛ فهي تفتح آفاقاً جديدة للعلاقات، وتمنح السفارة فرصة للاطلاع المباشر على نبض المجتمع، بعيداً عن التقارير المختصرة واللقاءات الرسمية.من الرابية… إلى المحافظات كافة
ما يلفت الانتباه أن تحرك السفير لا يقتصر على العاصمة، بل يمتد من الشمال إلى الجنوب، من المدن إلى القرى، ومن الجامعات إلى الجمعيات. هذا الانتشار الواسع يترك انطباعاً بأن السفارة تريد أن تظهر ليس فقط علاقتها بالدولة، بل علاقتها بالمجتمع أيضاً.وحتى وإن كانت هذه الجولات تحمل أهدافاً سياسية أو اجتماعية أو تنموية، فإنها في نهاية المطاف تخلق حالة جديدة في المشهد الأردني؛ حالة تستحق الملاحظة وربما التقييم، لأنها تفتح باباً لنوع مختلف من التفاعل بين الدبلوماسية الأجنبية والمجتمع المحلي.في النهاية… ضيف ثقيل حضور أم خفيف ظل؟
قد يتفق الأردنيون أو يختلفون حول تفسير كثافة نشاط السفير الأمريكي، لكن المؤكد أن الرجل أصبح أحد أكثر الشخصيات العامة حضوراً في المجتمع خلال الفترة الأخيرة.وما بين الابتسامات الرسمية والضيافة الشعبية، وبين التحليل السياسي والنكات الخفيفة، يبقى السفير ضيفاً مرحباً به… وربما ضيفاً أصبح جزءاً من المشهد اليومي أكثر مما توقع الجميع.فإن كانت هذه الجولات مجرد نشاط اجتماعي، فهي نجحت في لفت الأنظار.وإن كانت دبلوماسية ناعمة، فقد تم تطبيقها بحرفية لا تخلو من روح الدعابة.وفي الحالين… يبدو أننا سنرى المزيد من الصور والزيارات، والمزيد من فنجان القهوة العربية الذي يتبادله السفير مع الأردنيين.
