مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، تتبلور ملامح استراتيجية أمن قومي أمريكية جديدة–قديمة، تعيد الاعتبار لمنطق “أمريكا أولًا”، وتقوم على تقليص الانخراط المباشر في النزاعات المعقدة، مقابل التركيز على الردع الصلب، وحماية المصالح الحيوية، وتحميل الحلفاء أدوارًا أكبر في إدارة أقاليمهم. وفي هذا السياق، لا يحتل اليمن موقع “الأولوية” في سلم الاهتمامات الأمريكية، لكنه يظل حاضرًا بوصفه ملفًا أمنيًا حساسًا يتقاطع مع ثلاثة مسارات مركزية في رؤية ترامب: إيران، أمن الملاحة الدولية، ومكافحة الجماعات المسلحة العابرة للحدود.
تنطلق مقاربة ترامب للأمن القومي من فرضية أساسية مفادها أن الولايات المتحدة ليست معنية بإعادة بناء الدول أو إدارة حروب استنزاف طويلة، بل بضمان عدم تحوّل بؤر الصراع إلى تهديد مباشر للأمن الأمريكي أو لمصالحه الاقتصادية. وبناءً على ذلك، يُنظر إلى اليمن لا كدولة بحاجة إلى “حل شامل”، بل كساحة يجب ضبطها ومنع انفلاتها، خصوصًا في ظل تصاعد دور جماعة الحوثي.في استراتيجية 2025، يُعاد تعريف التهديد الإيراني ليس فقط من خلال برنامجه النووي، بل عبر شبكاته الإقليمية وأدواته غير التقليدية. ومن هذا المنظور، يشكّل الحوثيون إحدى أهم أوراق الضغط الإيرانية في البحر الأحمر وباب المندب. وعليه، فإن التعامل الأمريكي مع اليمن في عهد ترامب يُرجَّح أن يكون أمنيًا–ردعيًا بالدرجة الأولى، يركز على إضعاف القدرات العسكرية للحوثيين، وحرمانهم من حرية تهديد الملاحة الدولية، دون الانخراط في مسار سياسي معقد أو رعاية تسويات شاملة.كما تعكس استراتيجية ترامب توجهًا واضحًا نحو تفويض الحلفاء الإقليميين بأدوار أكبر، سواء في تحمل الكلفة الأمنية أو في إدارة التوازنات المحلية. في الحالة اليمنية، يعني ذلك أن واشنطن ستعتمد على شركائها الإقليميين لضبط المشهد، مع تقديم دعم استخباراتي وتقني انتقائي، بدل قيادة التحالفات أو الانخراط المباشر في التفاصيل الميدانية. هذا النهج ينسجم مع رؤية ترامب الرافضة لتحمل الولايات المتحدة أعباء أمنية نيابة عن الآخرين دون مقابل واضح.في المقابل، لا تُبدي الاستراتيجية اهتمامًا كبيرًا بملفات “بناء الدولة” أو “الانتقال السياسي” في اليمن، إلا بقدر ما تخدم هدف الاستقرار النسبي ومنع الفوضى. فالديمقراطية وحقوق الإنسان، وفق هذا المنظور، ليست أدوات حاكمة لصنع القرار، بل اعتبارات ثانوية تُستحضر عند الحاجة، ولا تُشكّل قيدًا حقيقيًا على السياسات الأمنية.وعليه، يمكن القول إن اليمن في استراتيجية ترامب للأمن القومي 2025 يُدار باعتباره ملف احتواء لا ملف حل، وساحة ردع لا ساحة تسوية. وسيظل الاهتمام الأمريكي مرتبطًا بقدرة هذا الملف على التأثير في أمن البحر الأحمر، وفي ميزان الصراع مع إيران، أكثر من ارتباطه بمستقبل الدولة اليمنية ذاتها. وهو ما يفرض على الفاعلين المحليين والإقليميين قراءة هذا التحول بواقعية، وفهم أن واشنطن في عهد ترامب لا تبحث عن شركاء في السلام، بقدر ما تبحث عن شركاء في ضبط المخاطر.باوزير يكتب: اليمن في استراتيجية ترامب للأمن القومي 2025.. من ساحة نزاع إلى ملف إدارة مخاطر
د. باسل باوزير
باوزير يكتب: اليمن في استراتيجية ترامب للأمن القومي 2025.. من ساحة نزاع إلى ملف إدارة مخاطر
مدار الساعة ـ