مدار الساعة - كتبت د. دانا خليل الشلول:
معضلة طفلة: العمل أم التعليم؟
"ما بقدر يجيني شغل وأتركه وأروح كل يوم على المدرسة، بضل أتذكر أمي المشلولة وخواتي بالجامعة وأفكر فيهم كيف رح يرجعو مشي من آخر الدنيا عشان ما معهم أجرة باص، وريقهم ناشف عشان مش قادرين يشترو قنينة مي صغيرة تبل ريقهم بهالجو "الحرّاقي"." بهذه الكلمات عبّرت الطفلة السوريّة نغم ذات الـ (14) ربيعاً عن حالتها خلال عملها وسط بيتٍ كبير تملؤه الفوضى في إحدى محافظات الشمال ويحتاج لساعات طويلةٍ لتنظيفه، وتضيف نغم أنَّها تُطلب للعمل أكثر من أخواتها لأنَّها "سريعة ودمها خفيف" وتزيد "هيك بحكو إللي بشغلوني."
وبررت نغم ضرورة التزامها بالعمل والانقطاع عن المدرسة بأنَّها محظوظة لكونها تعمل عند عائلاتٍ كريمة، يعطونها بعض احتياجاتها هي وأخواتها علاوةً على أجرتها، قائلة "بعطوني أواعي جديدة ونظيفة، وأكل، وقناني مي بتوفر على خواتي حق قزازة جديدة ممكن لو اشترتها تنقطع من مواصلات الرجعة من الجامعة، لهيك بحس الـ( 25) و (30 ) دينار أفيدلي من المدرسة حتى لو صدري وجعني من ريحة المنظفات، وحسيت عظامي "بتتفتفت" من الجر والشيل."
أطفال يتحولون إلى رجال قبل أوانهم
وعلى جانبٍ آخر، نجد معاناةٍ أخرى للطفل سالم ذو الـ (12) عاماً، والذي يعمل موزّعا للقوارير في أحد محطات تنقيّة وتوزيع المياه الصحيّة في إحدى محافظات الجنوب، ليصف معاناته قائلاً "كل قارورة مي بحملها عشان أوصلها بتكسر ظهري، والعرق بصير ينزل من جبيني زي الشلال بهالحم والصيف، خاصة لو البيت بطابق عالي بعمارة ما فيها مصعد، والله بنهد حيلي، حتى ايدي صارو خشنات وقاسيات، وبحس صار عندي عضلات زي الكبار."
وعبّر سالم عن المشاق التي يتكبّدها وهو يحمل قوارير المياه "مرات بحس كإنّي حامل حجار على ظهري، وإيدي بصيرو يرجو، وقلبي بوجعني بس أشوف الصغار بلعبو بالشارع، بس مشكلة بساعد أبوي المسكين، وأبوي فهمني ما في طريقة نعيش بدون ما نمد إيدنا لحد غير إني أصير زلمة قبل وقتي."
الحاجة الماسة أكبر من أحلامنا
تحدثت ردينة طفلة مصريّة (16) عاماً عن عملها ضمن أحد ورشات الخياطة، وسط ضجيج صوت الماكينات "العلم والمدرسة أحلام كبيرة علينا، الإبرة والخيط والمقص دول أصحابي والحقيقة، لكن المدرسة والدراسة حلم، ماما بتفضل تقول "الشغل بعلّم الرجالة"، ورغم إني مش ولد لكن الشغل عرفني حاجات كتير، زي إني أساعد أهلي ونرجع بلدنا مرفوعين الراس، وده حلمي."
أمراضٌ وآلام مستمرّة قبل أوانها
بينما يستيقظ سند (15) عاماً قبل الفجر لمساعدة والدته بتحضير صناديق الخضار وعبر عن ذلك "ريحة الخضرة والنعنع بتصحيني قبل المنبه، باخذ الكرتونة على كتفي وبروح وأنا بالطريق بشوف أولاد كانوا بصفي رايحين عالمدرسة، وبيسألوني: 'مش نفسك تيجي معنا؟' وبقلهم: 'شغلي أهم!'."
ويقول سند بأنَّه يستطيع زيادة دخله أحياناً إذا طلب أحد التجار مساعدة بالعتالة وتحميل البضاعة من البكبات قائلاً " بطلعلي كم ليرة زيادة ينسوني وجع عظامي خاصة بالبرد، وبالليل ظهري بوجعني من التحميل طول اليوم، وعظمي "بيطقطق" من الوقفة عالبسطات، بس سوق الخضرة هذا مدرستي اللي علمتني الحياة وطعمانا لما كانت أمي تتعالج من السرطان، وهو إللي خلاها عايشة وموجودة بحياتنا."
عادات سيّئة ومُضرّة يكتسبها الأطفال في سوق العمل
"أقنعوني الأولاد إللي معي بالشغل إنه ما حد رح يحسبلي حساب إذا ما كنت بدخن ومبين قد حالي، ولا كلهم رح "يديونوا علي"، وحاس حالي ابتليت على بكير ومش قادر أتركه." هذا ما زاد العبء على رامي (13) عاماً الذي يعمل مساعد ميكانيكي في أحد المدن الصناعيّة بين تأمين مصروف عائلته وثمن سجائره.
ويقول رامي "الشغل هون تعبلي صدري ونفسي مرات بحس حالي مخنوق، بس شو بدنا نساوي بدنا نعيش ونعيّش أهلينا وندفع أجرة هالدار"
وفي ذلك، أفادت تقديرات "بيت العمال" أن هناك (60) ألف طفل يعملون حاليًا في ظروف محفوفة بالمخاطر، مما يهدد عافيتهم وسلامتهم البدنيّة، وتشير الإحصائيات إلى أن (48%) من الأطفال العاملين يتعرضون لمواد ضارة مثل الغبار والأبخرة والمواد الكيميائية، في حين أن (45%) منهم يقضون ساعات عمل تتجاوز الحد الأقصى القانوني البالغ (36) ساعة في الأسبوع، مما ينتج عنه إجهاد مزمن وإصابات متكررة، ولا يزال (19%) منهم يعانون من أشكال مختلفة من الإساءة، بما في ذلك الإساءة اللفظية والصراخ وأحيانًا الاعتداء الجسدي.
للأطفال أولويّة بحق الحصول على "منحة" العمل؟!
يملك أبو محمود محل حدادة ونجارة كبير يعمل فيه مجموعة من الأطفال الأردنيين والسوريين دون سن الـ (15) عاماً، واصفاً عملهم لديه بالعمل الخيري والإنساني " هالولاد أنا مفضّل عليهم، بييجوني مع أهلهم أو لحالهم يطلبوا شغل بحكولي إحنا فقراء وما معنا نوكل ولا ندرسهم وما إلهم محل غير الشارع وقلبي ما بطاوعني أرجعهم، أنا بعلمهم صنعة، وبعطيهم فوقها مصروف يومي، وبخليهم يوكلو من عرق جبينهم أحسنلهم من الشارع ، هذا الصح واللي ربنا أمرنا فيه."
هؤلاء الأطفال ليسوا الحالات الوحيدة والفريدة، فهم يمثّلون معاناة آلاف الأطفال الذين حُرموا من حقهم في التعليم، وعيش طفولتهم واللعب مع أقرانهم، ويعانون من آلام ومشاكلٍ صحيّة وآلام في العظام، وأمراض في أجهزتهم التنفسيّة، جراء تشغيلهم دون السن القانوني وفي ظروف غير مناسبة.
أرقام ونسب تسرّب الأطفال العاملين من المدارس
وفي سياق متصل، كشف تقرير مشترك صادر عن اليونيسف ووزارة التربية والتعليم في عام (2020) عن واقع الأطفال الأكثر عرضة للتسرب من المدارس الحكومية الأردنية، وأوضح التقرير أن الظروف الاقتصادية تُشكل سببًا رئيسيًا وراء ترك الأطفال للمدارس، وذلك بسبب تدني دخل الأسر وعدم قدرتها على تغطية التكاليف المرتبطة بالدراسة، حيث أشار التقرير إلى ارتفاع نسبة الذكور المتسربين مقارنة بالإناث في الفئة العمرية (12-15) عامًا، مسجلاً (3.8%) خلال العام الدراسي (2017-2018).
*المصدر: تحليل بيانات تقرير اليونسيف 2020 م
*المصدر: تحليل بيانات تقرير اليونسيف 2020 م
وفي ذات السياق، أظهر المسح الوطني لعمل الأطفال في الأردن لعام (2016) تضاعفًا في أعداد الأطفال العاملين، حيث بلغ عددهم (69,600) طفل، منهم (44,000) يعملون في مهن خطرة. وتُشير الإحصائيات إلى أن نسبة الأطفال العاملين بلغت (1.89%)، حيث وصلت نسبة الذكور إلى (3.24%) بينما كانت نسبة الإناث (0.45%).
عمالة الأطفال ما بعد جائحة كورونا وفقاً لتقارير (اليونيسف):
أكد تقرير اليونيسف لعام (2020) ما جاء في الاستراتيجية الوطنية للحد من عمالة الأطفال لوزارة العمل، حيث خلفت الجائحة وضعًا اقتصاديًا صعبًا، وارتفعت نسبة البطالة إلى (25%) في الربع الأول من عام (2021) وزادت نسبة الفقر، مما دفع الأطفال للانخراط في سوق العمل لمساعدة أُسَرِهم، فيما لم تتمكن وزارة التربية والتعليم من نشر تقريرها السنوي للأعوام (2020-2021) حول المتسربين خلال عام الجائحة بتحليل ما بعد الجائحة، لكن كان هناك ارتفاعًا ملحوظاً في تسرب الذكور في المرحلة الإعدادية من التعليم الأساسي، خاصة في الصف العاشر، حيث زادت النسبة من (8%) في عام (2021-2022) إلى (12%) في عام (2022-2023)، وبالمقابل، انخفض تسرب الإناث من (15%) إلى (8%) خلال نفس الفترة.
تأثير عمالة الأطفال على عظامهم ومفاصلهم
بحسب أخصائي جراحة العظام الدكتور خالد الرفاعي، فإن الأطفال العاملين يتعرضون لمخاطر جسيمة على النمو الطبيعي للعظام والمفاصل، لا سيما العمود الفقري، مبيّناّ إنَّ إدراك هذه التأثيرات يمثل خطوة مهمة في الوقاية، والتشخيص المبكر، ووضع استراتيجيات إعادة التأهيل.
وأشار الرفاعي إلى أن العظام في مرحلة الطفولة تكون في طور النمو من خلال مناطق النمو (الصفائح الفيزيائية - epiphyseal plates)، والتي تُعد هشة وقابلة للتأثر بالإجهاد الميكانيكي المتكرر، وأنَّ والأطفال العاملين في الزراعة، والبناء، أو الحمل اليدوي للأثقال غالبًا ما يتعرضون لإصابات مزمنة تؤدي إلى تباطؤ أو توقف النمو في أطراف معينة، وتشوهات في الزاوية أو الطول (angular or length deformities)، حيثُ إنَّ هذه التشوهات قد تتطلب لاحقًا عمليات تقويم أو تصحيح جراحي.
وأوضح الرفاعي أن العمود الفقري لدى الأطفال يتمتع بمرونة أكبر من البالغين، لكن هذه المرونة لا تحميه من تآكل الأقراص الغضروفية (Disc degeneration) نتيجة حمل الأوزان الثقيلة بشكل متكرر، أو انحرافات قوامية مثل الجنف (scoliosis) أو الحداب (kyphosis)، أو الانزلاق الفقري (spondylolisthesis) نتيجة فرط التمدد القطني المتكرر أو ضعف العضلات المثبتة. ويضيف أن كل هذه الحالات قد تؤثر على الوظيفة الحركية وتسبب آلام ظهر مزمنة منذ سن مبكرة.
وعن تأثر المفاصل بسبب الإفراط في الاستخدام، أكّد الرفاعي أن العمل اليدوي المتكرر يؤدي إلى التهاب الأوتار المزمن (Chronic tendinitis)، والتهاب الغشاء الزليلي، وفقدان الثبات المفصلي، وتغيرات تنكسية مبكرة (Early degenerative joint disease)، ووصف هذه الحالات بأنها تحدٍ من إعادة التأهيل، وقد تتطلب تداخلات جراحية أو برامج علاج طبيعي طويلة الأمد.
وأوضح الرفاعي أن الأطفال في بيئات العمل غير الآمنة معرضون للكسور الناتجة عن السقوط أو الصدمات، وعدم تلقي العلاج المناسب، مما يؤدي إلى التحام خاطئ للعظام (malunion) أو عدم التحامها(nonunion)، أو إصابة صفائح النمو، مما يسبب تشوهات تحتاج إلى علاج جراحي في المستقبل. ويشير إلى أن هذه الحالات غالبًا ما يتم تشخيصها في مراحل متأخرة، مما يجعل العلاج أكثر تعقيدًا.
ولفت الرفاعي إلى أن الأطفال العاملين لسنوات طويلة يواجهون ضعف الكتلة العضلية، واضطرابات في التوازن والمشي، وآلامًا مزمنة في المفاصل والظهر، وإعاقة وظيفية دائمة في بعض الحالات، وهذا ينعكس على جودة الحياة والقدرة على الإنتاج والعمل في مرحلة البلوغ.
تعرّض الأطفال العاملين للأمراض التنفسيّة الخطيرة
حذر استشاري الأمراض الصدرية، الدكتور محمد الطراونة، من تفاقم المشكلات الصحية والتنفسية، كالربو وحساسية الصدر ومشاكل الرئة المزمنة، بين الأطفال العاملين في مهن خطرة. وأوضح أن تعرض هؤلاء الأطفال للمواد الكيميائية، الملوثات، الأتربة، والأدخنة في بيئات مثل ورش الميكانيكا، ومصانع الطوب، وأماكن جمع وحرق الخردة، يسبب تهيجاً كبيراً لأجهزتهم التنفسية التي لا تزال في طور النمو.
وأكد الطراونة أن استمرار هذه الظاهرة يعود لضعف الرقابة وغياب شروط الصحة والسلامة المهنية، ما يزيد من احتمالية إصابتهم بأمراض رئوية خطيرة مثل التليف الرئوي وتوسع القصبات، كما نبه إلى اكتساب الأطفال لعادات سلبية كالتعرض المفرط للشاشات والتدخين، مما يزيد من معاناتهم الصحية ويؤثر على نموهم السليم ومناعتهم.
رأي الطب النفسي:
وبحسب الطبيب والأخصائي النفسي الدكتور علاء الفروخ؛ فإنَّ عمالة الأطفال لها أثر نفسي سيء على الطفل، فمن المتوقع منه في هذه المرحلة وجوده على مقاعد الدراسة، فلن يكون جاهزاً نفسيّاً لتحمّل هذه المسؤوليّة، كما سيُدخله هذا الأمر بدوامة من المقارنات بينه وبين أقرانه الذين ينعمون برعاية ذويهم، ويرونهم ذاهبين إلى المدرسة حاملين حقائبهم، كما أنَّ وجودهم في سوق العمل يُعرّضهم لضغوطات كبيرة كالتنمر والابتزاز والاستغلال.
رأي علم الاجتماع
وبحسب أخصائي علم الاجتماع الدكتور زيد الشمايلة؛ تُعد عمالة الأطفال ظاهرة غير إنسانية، وتحرم الأطفال من حقوقهم الأساسية في الطفولة والرعاية والتعليم، هذه الظاهرة لا تؤثر سلبًا على نموهم وصحتهم فحسب، بل تعرضهم لمخاطر جسيمة تُدمر مستقبلهم، فيما تُعزى أسباب تفاقم الظاهرة خاصةً في العطلة الصيفيّة إلى الوضع الاقتصادي المتدنّي للأسر، واعتقادات خاطئة لدى بعض الأهالي بأن العمل يبني شخصية الطفل، بالإضافة إلى توارث المهن، أو سعي الأسر للتخلص من النشاط الزائد للأطفال، كما تُخلّف عمالة الأطفال آثارًا مدمرة، منها مخاطر صحية ناجمة عن بيئات العمل غير الآمنة، ومخاطر نفسيّة واجتماعية تتمثل في التعرض لسلوكيات وألفاظ غير مناسبة، وأخيرًا الحرمان من التعليم، مما يقضي على فرصهم المستقبلية.
ولمعالجة هذه المشكلة، يتطلب الأمر تضافر الجهود من خلال؛ تنفيذ حملات توعية شاملة للمجتمع، وتوفير بدائل آمنة للأطفال مثل المراكز الصيفية الترفيهية والتعليمية، وتقديم الدعم المادي للأسر المحتاجة، وتعزيز دور المؤسسات الاجتماعية في حماية الطفولة.
جهود الأردن في مكافحة عمالة الأطفال: إحصائيات وإجراءات
تبذل وزارة العمل الأردنية جهوداً حثيثة لمكافحة عمالة الأطفال، حيث كشفت الإحصائيات عن ضبط (215) طفلًا عاملًا خلال العام الماضي (2024)، فيما أصدرت الوزارة (134) إنذارًا لأصحاب عمل خالفوا القانون بتشغيل أطفال.
وتعكس البيانات الواردة من منصة "حماية" للشكاوى في مديرية التفتيش المركزية بوزارة العمل التزامًا بمتابعة قضايا عمالة الأطفال، فقد سجلت المنصة (118) شكوى تتعلق بعمل الأطفال خلال عام (2024)، وقد تمكنت الوزارة من تسوية (110) من هذه الشكاوى بنجاح، مما أدى إلى تحصيل الحقوق العمالية المستحقة للأطفال.
يُعد الأردن رائدًا في المنطقة في مجال حماية الأطفال من الاستغلال الاقتصادي، حيث صادق على اتفاقيات دولية مهمة في هذا الصدد، وتشمل هذه الاتفاقيات، على سبيل المثال لا الحصر، اتفاقية حقوق الطفل والبروتوكولات الملحقة بها، بالإضافة إلى اتفاقيات منظمة العمل الدولية مثل اتفاقية الحد الأدنى لسن الاستخدام رقم (138)، واتفاقية أسوأ أشكال عمل الأطفال رقم (182).
انخفاض حالات عمالة الأطفال المكتشفة: هل يكفي؟
كشفت تقارير وزارة العمل السنوية عن تراجع ملحوظ في أعداد حملات التفتيش على المنشآت، وهو ما تزامن مع انخفاض كبير في حالات عمالة الأطفال المكتشفة، ففي الوقت الذي سجّلت فيه الوزارة (1087) حالة لعمالة الأطفال عام (2021) تراجعت هذه الأعداد بشكل حاد لتصل إلى (294) حالة فقط في العام الماضي (2024).
وفي هذا السياق، أكد الناطق الإعلامي باسم وزارة العمل، محمد الزيود، على التزام الوزارة بتطبيق المادة (73) من قانون العمل الأردني لسنة (1996)، التي تحظر بشكل قاطع تشغيل أي حدث لم يكمل السادسة عشرة من عمره. وأشار الزيود إلى أن حملات التفتيش تركزت على قطاعات حيوية مثل تجارة الجملة والتجزئة، وإصلاح المركبات وبيع القهوة السائلة، بالإضافة إلى قطاعات الزراعة والصناعات التحويلية والإنشاءات.
ومع الإقرار بأن حملات التفتيش لا تنجح دائمًا في كشف جميع حالات عمالة الأطفال، أطلقت الوزارة منصة إلكترونية للإبلاغ عن الحالات المشتبه بها، إلا أن التحدي الأكبر يكمن في الوصول إلى الأطفال العاملين في أماكن خفيّة.
موقف الأردن مع القوانين والاتفاقيّات الدولية للحد من عمالة الأطفال:
يرتكز التزام الأردن بمكافحة ظاهرة عمالة الأطفال، وخاصة الفئة العمرية الحساسة دون الـ(15) عامًا، على شبكة قوية من الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها، ما يعكس رؤية المملكة لحماية حقوق الأطفال وضمان مستقبلهم بعيدًا عن مخاطر الاستغلال الاقتصادي، حيث يستند الأردن إلى التزام عميق بالاتفاقيات الدولية الأساسية في هذا المجال، فهو يُقرّ بحق الطفل في الحماية من الاستغلال الاقتصادي، ومن أي عمل قد يُهدد صحته أو تعليمه أو نموه، وذلك وفقًا لاتفاقية حقوق الطفل (CRC) التي تُشكل الإطار الشامل لحماية الطفولة. كما تتجلى ريادة الأردن أيضًا في مصادقته على اتفاقيات منظمة العمل الدولية (ILO) المحورية؛ فبموجب الاتفاقية رقم 138 بشأن الحد الأدنى لسن الاستخدام (1973)، يلتزم الأردن بعدم تشغيل الأطفال دون سن 15 عامًا، مع رفع هذا السن إلى 18 عامًا للأعمال الخطرة، كما يعتمد الأردن بشكل كامل الاتفاقية رقم 182 بشأن حظر أسوأ أشكال عمل الأطفال (1999)، والتي تستهدف القضاء الفوري على الممارسات المروعة مثل الاستعباد، والاتجار بالبشر، واستخدام الأطفال في الأنشطة غير المشروعة، أو أي عمل يهدد سلامتهم وصحتهم.
فيما يُعدّ الأردن من الدول السبّاقة في التصدي لعمالة الأطفال وحماية حقوقهم، حيث كان من أوائل الدول التي صادقت على اتفاقيات دولية مهمة، منها اتفاقية الأمم المتحدة لعام (1989) واتفاقية منظمة العمل الدولية.
موقف الدستور الأردني تجاه عمالة الأطفال:
وبحسب الخبير القانوني الدكتور بشر الخطيب، فإنَّ القانون الأردني يتفق مع الاتفاقيات والعهود الدوليّة بهذا الشأن، حيث يحظُر قانون العمل الأردني رقم (8) وتعديلاته لسنة (1996) وبحسب المادة (73) عمل الأطفال دون سن الـ (16) عاماً تحت أي ظرف، ويضع قيود على عملهم بين سن (16-18) سنة، حيث يجب أن يكون عمل الطفل مقروناً بموافقة خطيّة على عمل الطفل، ضمن شروط معيّنة؛ حيث لا يجوز تشغيله في ظروف خطرة تهدد سلامته الجسديّة، كما لا يجوز تشغيله أكثر من 6 ساعات على أن يكون من ضمنها ساعة استراحة، ولا يجوز عمله بعد الساعة الـ (8) مساءً ولغاية الساعة الـ (6) صباحاً، وأن لا لا يقل دخله الشهري عن الحد الأدنى للأجور.
وأشار الخطيب بأنَّ القانون الأردني قد ضمن بيئة عمل مناسبة للأطفال ضمن الفئة العمرية (16-18) سنة، حيث تضطر بعض الأسر نظراً للظروف الاقتصاديّة الصعبة تشغيل أطفالها، لكن نرى نماذج كثيرة مخالفة للقانون للأطفال دون هذه الفئة ضمن أعمال خطرة وصعبة وشاقة وحتى أوقات متأخرة، ويتعرّضون للاستغلال، منوّهاً إلى ضرورة تفعيل دور الجهات الرقابيّة بشكلٍ أكبر، بالإضافة لتوفير الحماية الاجتماعيّة للأطفال بحيث لا تضطر الأسر لتشغيل أطفالها بغرض توفير دخل اقتصادي إضافي، لأن ما يحدث على أرض الواقع من عمالة أطفال لا ينسجم من التشريعات القانونيّة الأردنيّة التي وصفها الخطيب بالممتازة.
توصيات المركز الوطني لحقوق الإنسان: إصلاحات ضرورية لضمان حق التعليم الشامل في الأردن
خلصت دراسة سابقة أجراها المركز الوطني لحقوق الإنسان إلى أن التعليم المدرسي في الأردن متاح بنسبة (77.5%)، إلا أنها كشفت عن ثغرات قانونية تحد من إلزامية ومجانية التعليم، ومن أبرز هذه الثغرات عدم توافق التشريع الأردني مع المعايير الدولية لمجانية التعليم، فقد سمح قانون التربية والتعليم (المادة 41/ب) بجمع التبرعات المدرسيّة، كما أنَّ الضرائب غير المباشرة مثل ضريبة المبيعات على القرطاسية (4%-16%) تزيد التكاليف التعليمية على الأسر.
وأشارت الدراسة أيضًا إلى أن النظام التعليمي الأردني يلتزم بالقيم الدولية لحقوق الإنسان بنسبة (73.7%) فقط، ويعود ذلك بشكل رئيسي إلى غياب نصوص قانونية صريحة تضمن المساواة في التعليم لجميع الأشخاص في سن التعليم المدرسي، سواء كانوا مواطنين أو أجانب، بغض النظر عن أوضاعهم القانونية، فقد اقتصر الدستور وقانون التربية والتعليم على تحقيق المساواة بين الأردنيين فقط. وبناءً على هذه النتائج، قدمت الدراسة عدة توصيات حيوية، أبرزها:
* تعديل الدستور: ضرورة تعديل أحكام الدستور الأردني المتعلقة بحق التعليم لضمان تمتع جميع الأشخاص المقيمين في المملكة بهذا الحق، وعدم قصره على الأردنيين فقط.
* تضمين مبدأ المساواة: إدراج نص صريح في التشريعات الأردنية يكرس مبدأ المساواة ويحظر التمييز في التعليم لجميع الأشخاص في سن التعليم، بغض النظر عن جنسهم أو وضعهم القانوني أو الإعاقة.
حيث تهدف هذه التوصيات إلى تعزيز شمولية وعدالة النظام التعليمي في الأردن بما يتماشى مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان.
وفي ذلك، أكدت مفوَّضة الحماية من المركز الوطني لحقوق الإنسان نهلة المومني أن الأردن يمتلك إطاراً قانونياً وطنياً ودولياً متيناً لمكافحة عمل الأطفال، مشيرة إلى أن اتفاقية حقوق الطفل، والاتفاقية رقم (182) لسنة (1999)، والهدف (7) من أهداف التنمية المستدامة، تؤكد جميعها على حظر الاستغلال الاقتصادي للأطفال.
وأضافت المومني أن الدستور الأردني في المادتان (6 و23)، وقانون حقوق الطفل لسنة (2022)، وقانون التنمية الاجتماعية لسنة (2024)، وقانون العمل (الذي يحظر تشغيل من لم يكمل الـ 16 عامًا، ويقيد من لم يكمل الـ 18 عامًا في الأعمال الخطرة)، بالإضافة إلى قانون منع الإتجار بالبشر، كلها توفر حماية متكاملة لجميع الأطفال بالمملكة، بما فيهم اللاجئين.
كما أشارت المومني على ضرورة الاستمرار بتكثيف الرقابة وتجريم أشكال التسول المختلفة، وتعزيز الدعم الاجتماعي والاقتصادي للحد من التسرب المدرسي، وذلك لمواجهة التجاوزات القائمة وضمان مستقبل أفضل للأطفال.
ملاحظة: جميع أسماء الأطفال الواردة في التقرير مستعارة حفاظاً على خصوصيّتهم