أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات مجتمع وظائف للأردنيين أحزاب مقالات أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مختارة مناسبات مستثمرون جاهات واعراس الموقف شهادة جامعات دين مغاربيات خليجيات ثقافة رياضة اخبار خفيفة سياحة الأسرة طقس اليوم

حدادين يكتب: القانون أولًا… دائمًا


المحامي الدكتور يزن دخل الله حدادين

حدادين يكتب: القانون أولًا… دائمًا

مدار الساعة ـ
إن العمل السياسي الذي يتجاوز حدود الدولة، ويمتد ليشمل تمويلًا خارجيًا أو إخراجًا للأموال بطرق غير خاضعة للرقابة، يحمل في طياته مخاطر عميقة تتعلق بجوهر فكرة الدولة الحديثة. فالدولة ليست مجرد جغرافيا وسلطة تنفيذية، بل هي منظومة قانونية قائمة على سيادة القانون، وعلى احتكار مشروع للعنف والتنظيم المالي والسياسي داخل حدودها. أي خرق لهذه المنظومة تحت ذريعة الغايات النبيلة أو الشعارات العاطفية إنما يمثل مساسًا صريحًا بالعقد الاجتماعي الذي يربط الأفراد بالدولة ويمنح مؤسساتها الشرعية.
عندما تُجمع التبرعات وتُحوّل الأموال عبر قنوات غير خاضعة لحوكمة قانونية، تُفتح الأبواب على احتمالات تبييض الأموال وتمويل جماعات لا تعلن كامل أجنداتها. هذه الجماعات، وإن رفعت شعارات براقة، قد تكون في العمق كيانًا موازياً يهدد وحدة القرار السياسي، ويمتلك مصادر تمويل خفية قادرة على خلق ولاءات عابرة للحدود، في حين أن الدولة تحتاج ولاءً واحدًا: الولاء للقانون الجامع.
إن فلسفة سيادة القانون تقوم على فكرة أن الغاية مهما سمت لا تُعطي لأحد حق اختراق البنية القانونية التي تكفل المساواة والرقابة. فالدولة التي تتهاون في مراقبة الأموال السياسية، وتسمح لتدفقات غير مشروعة أن تتحكم بمسار القرارات، هي دولة تضعف تدريجيًا أمام شبكات مصالح لا تُسائل نفسها أمام شعب أو سلطة شرعية. هذه الظواهر تخلق اقتصادًا سياسيًا مظلمًا، يفرض نفسه كقوة أمر واقع، ويبدأ في اللعب بتوازنات الداخل، ويزج بالدولة في محاور إقليمية ودولية لم تخترها بمحض إرادتها.
إن خطورة هذه الأفعال لا تقتصر على تهديد الأمن الداخلي، بل تمتد إلى تشويه صورة الدولة أمام شركائها الإقليميين والدوليين. فالمال غير المنضبط سياسيًا يصبح أداة ضغط، وأحيانًا أداة ابتزاز، تضع الدولة أمام معادلات محرجة، وتحد من قدرتها على صياغة سياسات خارجية مستقلة. وعندما تتراخى سلطة القانون، يصبح كل شعار مبررًا وكل غاية ذريعة، فتتحول الحدود إلى خطوط وهمية، وتذوب الهوية السياسية في صراع المصالح.
في العمق، فإن فلسفة السياسة الرشيدة ترى أن الاستقرار ليس حالة جامدة، بل هو نتاج وعي جمعي بأن الدولة فوق الجميع، وأن القانون فوق الجميع، وأن أي ممارسة سياسية لا تستمد شرعيتها من المنظومة القانونية إنما هي بذرة فوضى، مهما ارتدت من ثياب الفضيلة. وحين تترسخ هذه القناعة، يصبح واضحًا أن الغاية لا تبرر الوسيلة، وأن من يعبث بمنظومة التمويل والحوكمة القانونية إنما يعبث بمستقبل الدولة ذاتها، ويقايض أمنها واستقرارها مقابل وهم التأثير العابر للحدود.
مدار الساعة ـ
story