أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات مجتمع وظائف للأردنيين أحزاب مقالات أسرار ومجالس مقالات مختارة تبليغات قضائية الموقف شهادة مناسبات مستثمرون جاهات واعراس جامعات مغاربيات خليجيات دين اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة الأسرة طقس اليوم

حدادين يكتب: عقل القانون في مواجهة رياح التطرف


المحامي الدكتور يزن دخل الله حدادين

حدادين يكتب: عقل القانون في مواجهة رياح التطرف

مدار الساعة ـ
ليس الأمر مجرّد كلماتٍ عابرة أو أفكارٍ غريبة تهاجر بلا إذن، بل هو أشبه برياحٍ عاتية تحاول اقتلاع جذور الدولة الحديثة من تربتها، وتحدّي سيادتها على أرضها وعقول أبنائها. حين يُصدَّر الفكر المتطرف عبر الحدود، لا نتحدث عن رأي شارد أو اختلاف ثقافي بريء، بل عن تيار خفيّ يعبث بمعنى الحدود ويطرح سؤالًا حادًا: أين تنتهي حرية الفكر وتبدأ مسؤولية الدولة عن حماية نظامها العام؟ وهل تملك القوانين أن توقف ما لا يُرى وما ينساب عبر الخطابات والحوالات الخفية؟
في قلب هذه الإشكالية يقف القانون، كمن يحاول الإمساك برياحٍ بأصابعه. فالأفكار بذاتها ليست جريمة، لكن تركها تتكاثر وتتحوّل إلى تحريض وتمويل وتنظيم، يعني أن نرى لاحقًا نارًا لا تُطفأ. ومن هنا يظهر التوازن الدقيق: حرية التعبير التي يحتفي بها العالم من جهة، وحق الدول في حماية أمنها وسلامتها من جهة أخرى. كل دولة تُحاسَب اليوم ليس فقط على ما يجري داخل حدودها، بل على قدرتها في منع أراضيها من أن تصبح منبرًا يبث خطابًا متطرفًا، أو منصة لتمويل جماعات تعيث فسادًا في دول أخرى.
ولأن الرياح لا تُواجه إلا بعملٍ حقيقي، جاءت القوانين الوطنية والاتفاقيات الدولية كشبكة واسعة من الأدوات. النصوص الحديثة لم تعد تكتفي بمعاقبة الفعل الإرهابي، بل امتدت إلى التمويل، إلى التحريض، إلى كل مساهمة ولو كانت عبر حدودٍ بعيدة. أما مجلس الأمن بقراراته 1373 و2178 فقد ألزم الدول بتعاونٍ لا يعرف الجغرافيا، كي لا تبقى دولة واحدة تحمل عبء المواجهة. لكنّ النصوص وحدها لا تكفي؛ القوة الحقيقية تكمن في إرادة سياسية صادقة، وفي تطبيقٍ لا يعرف الانتقائية، وفي شراكاتٍ تعبر الحدود بالقدر الذي تعبره الأفكار ذاتها.
هكذا يطلّ القانون في هذه المعركة ليس كجدارٍ أصمّ، بل ككائنٍ حيّ يدرك أن الكلمة قد تكون رصاصة، وأن الحرية التي لا تُحمى قد تتحوّل إلى أداة فوضى. وقف تصدير الفكر المتطرف ليس حجرًا على الرأي ولا خوفًا من المختلف، بل حماية لحقنا جميعًا في أن نبقى أحرارًا في فضاء لا يلتهمه العنف. إنّ الدولة التي تحرس حدودها الفكرية لا تفعل ذلك لتغلق النوافذ، بل لتضمن أن تبقى النوافذ نفسها موجودة، وأن يبقى الهواء الذي نعبره هواءً نقيًا. عندها فقط يصبح القانون عقلًا يحمي، لا قيدًا يخنق، وتصبح سيادته فعلًا حضاريًا يعلو فوق الغرائز ويضع النظام في مواجهة الفوضى.
مدار الساعة ـ
story