أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين مقالات أسرار ومجالس مقالات مختارة تبليغات قضائية جاهات واعراس الموقف شهادة مناسبات مستثمرون جامعات مغاربيات خليجيات دين اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة الأسرة طقس اليوم

حدادين يكتب: جعفر حسان.. إصرار على الحياة في قلب جرش


المحامي الدكتور يزن دخل الله حدادين

حدادين يكتب: جعفر حسان.. إصرار على الحياة في قلب جرش

مدار الساعة ـ
حين أستعيد تفاصيل المشهد، لا أستطيع أن أنظر إلى إصرار الدكتور جعفر حسان على إقامة مهرجان جرش في موعده وكأنه مجرد قرار تقويمي أو إجراء إداري ضمن جدول أعمال الحكومة. كان الأمر بالنسبة لي أكبر من ذلك بكثير. شعرت وكأن هناك رسالة خفية تتجاوز الكلمات الرسمية؛ رسالة تقول إن هذا الوطن يرفض أن يعيش تحت ثقل أزماته بصمت، ويرفض أن يسمح لأي ظرف اقتصادي أو سياسي أن يصادر حق الناس في الفرح والتعبير والإبداع.
في تلك اللحظة، بدا لي أن مهرجان جرش لم يكن فعالية فنية فقط، بل مساحة لإعادة تعريف ما يعنيه أن تكون دولة قادرة على الوقوف في وجه التحديات من دون أن تتخلى عن روحها. حين أعلن جعفر حسان أن المهرجان سيقام في موعده، كان كمن يعلن أن الحياة لا تُؤجَّل، وأن الثقافة ليست رفاهية مؤقتة بل ضرورة وجودية. لقد منح هذه الفعالية بُعدًا أعمق، بُعدًا يربط بين الاقتصاد والثقافة، بين الحاضر بكل تعقيداته والمستقبل بكل ما يَعِدُ به من إمكانات.
حضور حسان الشخصي للافتتاح كان بالنسبة لي لحظة رمزية مكثفة. لم يرسل ممثلًا أو يكتف ببيان رسمي، بل حضر بنفسه ليجلس بين الناس، وليقول للعالم: نحن هنا، نحتفل ونغني ونفتح أبواب مدننا العتيقة للضوء، مهما كانت الظلال كثيفة من حولنا. هذه الخطوة لم تكن مجرد لفتة بروتوكولية، بل كانت تعبيرًا عن قناعة عميقة بأن الفن هو استثمار طويل الأمد في صورة الوطن وفي اقتصاده وفي كرامة شعبه.
كان واضحًا أن المهرجان يُحرّك عجلة الاقتصاد بشكل ملموس، لكن الأهم أنه يُعيد بناء الثقة بين الناس والدولة، بين المواطن وإمكانيات بلده. والأكثر إثارة للتأمل أن هذا الأثر لم يكن محليًا فقط، بل وصل صداه إلى الخارج، حيث تُنقل الصور والفعاليات عبر شاشات التلفزة ومنصات التواصل الاجتماعي، لترسخ صورة الأردن كبلد يحتضن الإبداع والفن ويصرّ على الحياة رغم الظروف.
حين فكرت أكثر، أدركت أن الإصرار على إقامة المهرجان في موعده يحمل بعدًا نفسيًا واجتماعيًا لا يقل أهمية عن البعد الاقتصادي. الناس يحتاجون إلى حدث كهذا ليشعروا أن بلدهم ما زال حيًا، وأنهم جزء من قصة أكبر من تفاصيلهم اليومية الصعبة. إنه إصرار يعيد للناس ثقتهم بأن هناك دائمًا مساحة للفن وللأمل وللإبداع مهما كانت التحديات.
ولذلك، بدا لي موقف جعفر حسان وكأنه يكتب فصلًا جديدًا في قصة الأردن المعاصر: بلد لا يُقاس فقط بموازناته ولا يُحكم عليه فقط بأرقامه الاقتصادية، بل يُقاس بقدرته على الإصرار على الحياة. في جرش، وسط المدرجات القديمة التي حملت صدى الحضارات، كان الإصرار حاضرًا، وكان المستقبل يطل برأسه من بين الألحان والعروض، ليقول للعالم: نحن هنا… لا نتراجع، لا ننكفئ، بل نواصل زرع الجمال في قلب هذه الأرض مهما تعاظمت التحديات.
مدار الساعة ـ
story