في زمنٍ تختلط فيه الشعارات بالحقيقة، وتضيع فيه البوصلة، بين العاطفة والمزايدة، أطلَّ علينا جلالة الملك عبد الله الثاني، بكلماتٍ صادقة، عند لقائه مؤخرًا شخصيات إعلامية وطنية، في قصر الحسينية العامر، نابعة من قلب قائدٍ، يعرف شعبه، ويشعر بوجعه، ويعبّر عن الموقف الوطني والقومي، بمنتهى الوضوح والكرامة. لم تكن تصريحات أبي الحسين، مجرد كلمات تُقال، بل كانت موقفًا متكاملًا، يرسم ملامح الموقف الأردني الشريف، ويردّ على كل محاولات التشكيك والافتراء.
أكد أبو الحسين أن الأردن، كان وسيبقى، السند الأكبر لأهلنا في غزة، التي تشهد كارثةً إنسانية، تفوق كل ما شهده التاريخ الحديث من مآسٍ. ما يحدث في غزة، ليس مجرد مأساة، على أطراف الجغرافيا، بل هو جرحٌ مفتوح، في قلب كل أردني حر. ليس لأن غزة قريبةٌ منا فقط، بل لأن وجعها هو وجعنا، وصمودها من صمودنا، ولأن هذه الأرض الطيبة، الأردن، بُنيت على مبادئ العدل، والتكافل، ونصرة المظلوم، والوقوف معه، ما استطاعت إلى ذلك سبيلًا، بهدوء، وبعيدًا عن أي منٍّ أو أذى.
قالها جلالة الملك بصراحة: “نحن مستمرون في تقديم كل ما بوسعنا من منطلق واجبنا الأخلاقي، والإنساني، والعروبي، الذي لا نمنّ به، ولا ننتظر الشكر عليه”. لم يحتج الأردن إلى إعلانات ممولة، ولا إلى حملات علاقات عامة، فالأفعال وحدها كفيلة بأن تفضح أكاذيب جيوش الذباب الإلكتروني، التي تحاول عبثًا النيل من هذا الموقف الأردني الأصيل. فالمساعدات، والجسور الجوية، والمستشفيات الميدانية، وشهداء الخدمات الإنسانية من نشامى الجيش العربي، كلها شواهد على مواقف لا تعرف إلا الفعل الصادق.
عندما يتحدث الملك، يتحدث ابن الحسين، الذي نشأ على حب فلسطين، ويتكلم من نبض كل أردني، عربي، هاشمي. فموقف الأردن من فلسطين ليس موقفًا سياسيًا طارئًا، بل هو قدر، والتزام لا يحيد عنه مهما اشتدت الظروف. وكل من يعرف تاريخ هذا البلد، يعرف أن الهاشميين لم يتاجروا يومًا بالقضية، بل حملوها على أكتافهم، ودفعوا ثمنها دمًا، وعرقًا، وموقفًا.
وجّه أبو الحسين رسالة راقية في مضمونها، صلبة في معناها: “احترام جميع وجهات النظر، واختلاف أساليب التعبير عن الحزن، دون تهجّم أو تشهير”، لأن قضيتنا واحدة، وعدونا واحد، ولا يجوز أن نفرّط في نسيجنا الوطني من أجل اختلاف في الطريقة، ما دام الهدف واحدًا: التضامن الحقيقي مع أهلنا في غزة.
وفي موقف متوازن، يعكس حكمة الدولة الأردنية، دعا جلالة الملك إلى الموازنة بين الحزن والتضامن وبين استمرار الحياة، لأن ضرب الاقتصاد الوطني، وإيقاف عجلة الحياة، لا يخدم الأشقاء الفلسطينيين، بل يضعف ظهر من يقف معهم.
إن هذا الخطاب القوي من أبي الحسين، لا يترك مجالًا للتأويل، بل يضع النقاط على الحروف. فالأردن، ملكًا وشعبًا، لا يحتاج إلى تبرير موقفه من غزة، لأن التضامن عنده ليس طارئًا، ولا خاضعًا لموجة أو ضغوط إعلامية، بل هو موقف ثابت، لا تزعزعه الأقاويل، ولا تحجبه الحملات المُجندة على منصات التواصل.
في زمن الأفعال الزائفة، وحملات الإفك والتشويه، يظل الأردن صادقًا، شجاعًا، عروبيًا، كما عهدته فلسطين والعروبة دومًا.