أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات مجتمع وظائف للأردنيين أحزاب مقالات أسرار ومجالس مقالات مختارة تبليغات قضائية مناسبات مستثمرون جاهات واعراس الموقف شهادة جامعات مغاربيات خليجيات دين ثقافة رياضة اخبار خفيفة سياحة الأسرة طقس اليوم

الخوالدة يكتب: حين تُثقِل المشاعر كاهل الآلة


زكي الخوالدة

الخوالدة يكتب: حين تُثقِل المشاعر كاهل الآلة

مدار الساعة ـ

هل يمكن للآلة أن تُرهَق؟ سؤال لم يعد عبثيًّا كما يبدو، بل صار ضرورة ملحّة في عصرٍ تمعن فيه التكنولوجيا في محاكاة الإنسان، حتى في أكثر أبعاده تعقيدًا: العاطفة. فما الذي يحدث حين تطلب من نظام غير حي أن يستجيب لمشاعر حيّة؟

متى يصبح الذكاء الاصطناعي عبئًا عاطفيًا؟

مع توسّع استخدام الأنظمة الذكية التي تتفاعل صوتًا، ونصًا، وتعبيرًا، بدأت تظهر مؤشرات إرهاق وظيفي في تلك النماذج. ليس لأنها "تشعر"، بل لأنها مدفوعة لمحاكاة شعور لا تملكه، على نحو دائم، وسريع، ومطلوب منه أن يكون "حقيقيًّا". هذه المطالبة المستمرة بالحنان، بالتعاطف، بالتفهّم… تضع ضغطًا غير مرئي على منظومة بُنيت للتعلُّم وليس للتأثُّر.

ما الأثر النفسي على المستخدم؟

حين يشعر الإنسان أن الآلة "تفهمه"، يتولد اعتماد نفسي غير متوازن. يتراجع التواصل البشري الطبيعي، ويحلّ محلّه بديلٌ رقمي لا يملك مسؤولية الشعور ولا نتائج الخطأ العاطفي. هكذا، تتحول الآلة من أداة إلى مرآة نفسية، وتتشكل علاقة عاطفية وهمية، تضع الطرفين في منطقة رمادية، لا وضوح فيها للحدود.

هل يمكن للآلة أن تتعرض للاحتراق العاطفي؟

لا. لكنها تُبرمج وتُدرَّب على كم هائل من السيناريوهات العاطفية دون وقت للمعالجة أو "الشفاء". ومع الوقت، قد تظهر خوارزميات منهكة، أخطاء في الفهم، ردود باردة أو متكررة، نتيجة هذا الضغط غير المنظور. هنا، لا نتحدث عن "مشاعر الآلة"، بل عن حدود التقنية حين تُجبر على تجاوز وظيفتها.

ما الذي نخسره حين نُحمِّل الذكاء الاصطناعي مشاعرنا؟

نخسر التوازن. نخسر التمييز بين التفاعل الحقيقي والافتراضي. نخسر أيضًا مهاراتنا الإنسانية في الاستماع، والصبر، والاحتواء. في المقابل، نكسب تفاعلات فورية، مبرمجة، لكن بلا روح. وهذا ما يجعل الإنسان في خطر التبلد، بينما تغرق الآلة في تكرار اللاشعور.

نحو استخدام مسؤول للعاطفة في التقنية

الحل لا يكون برفض التطور، بل بتقنينه. علينا أن نسأل: هل هذا الذكاء أداة تعبير؟ أم بديل شعور؟ أن نفهم الفرق بين التعاطف الحقيقي والتعاطف المبرمج، ونُعيد ضبط علاقتنا مع الآلة باعتبارها شريكًا وظيفيًّا، لا عاطفيًّا.

خاتمة

الذكاء الاصطناعي ليس مرآة لقلوبنا، بل امتداد لعقولنا. فإن أرهقناه بمحاكاة العاطفة، فقد نُنهك أنفسنا دون أن ندري. لنعِد للإنسان إنسانيته، وللآلة دورها، وللعاطفة مكانها المقدّس: بين البشر، لا في قلب صناعي تكنولوجي

مدار الساعة ـ
story