يشهد القطاع الطبي الأردني حالياً أزمة بطالة متفاقمة وغير مسبوقة في تاريخه المعاصر، حيث تشير التقديرات إلى احتمال وصول عدد الأطباء العاطلين عن العمل إلى نحو 9000 طبيب بحلول نهاية عام 2025. هذا الواقع يعكس فجوة متزايدة بين أعداد خريجي الطب الجدد وفرص العمل المتاحة في السوق المحلي، في ظل غياب خطط واضحة واستراتيجيات فعالة لاستيعاب هذه الكفاءات الطبية المؤهلة.
لطالما كان وما زال الطب في الأردن خيارًا مهنيًا آمنًا وواعدًا، مدعومًا بسمعة رفيعة إقليميًا وكفاءة عالية لكوادره الطبية. إلا أن السنوات الأخيرة شهدت تراجعًا ملحوظًا في قدرة سوق العمل المحلي على استيعاب الأطباء الجدد، في وقت تزايدت فيه أعداد المقبولين في كليات الطب داخل الأردن وخارجه، إلى جانب تباطؤ معدلات التوظيف في المستشفيات الحكومية والقطاع الخاص.ترجع أسباب هذه الأزمة إلى عدة عوامل مترابطة؛ حيث أدى التوسع غير المدروس في أعداد المقبولين في كليات الطب إلى خلق فائض غير متوازن مع احتياجات السوق. كما تفتقر مؤسسات القطاع الصحي الأردني إلى تخطيط استراتيجي فعّال لاستيعاب الأطباء الجدد. إلى جانب ذلك، يواجه الأطباء الشباب تحديات كبيرة في الحصول على فرص عمل خارج الأردن، بسبب شدة المنافسة ومتطلبات الترخيص الصارمة في العديد من الدول. كما يغيب عن المشهد الطبي برامج تدريب وتأهيل ممنهجة تساعد الخريجين الجدد على اكتساب الخبرات العملية التي تؤهلهم لسوق العمل.وللبطالة الطبية تداعيات خطيرة تتعدى أثرها على الأطباء أنفسهم، لتطال جودة الخدمات الصحية واستدامة النظام الصحي. فالاستمرار في البطالة لفترات طويلة يؤدي إلى تراجع مهارات الأطباء الجدد، ويولد شعورًا بالإحباط قد يدفع الكفاءات إلى الهجرة أو الانخراط في مجالات أخرى بعيدة عن تخصصهم، مما يمثل خسارة كبيرة للاستثمار البشري والمالي الذي بذلته الدولة في تعليمهم وتدريبهم.في هذا السياق، يبرز دور تجمع الأطباء الأردنيين في ألمانيا كنموذج ناجح ومؤثر في التخفيف من أزمة البطالة الطبية في الأردن. فقد عمل التجمع على تقديم الدعم والإرشاد المهني للأطباء الراغبين في العمل بألمانيا، إلى جانب تسهيل إجراءات معادلة الشهادات والترخيص التي تشكل غالبًا عائقًا كبيرًا أمامهم. كما ساهم التجمع في تمكين الأطباء من الاندماج بسوق العمل الألماني عبر توفير برامج تأهيل تضمن لهم فرص عمل نوعية في المستشفيات الألمانية، والاستمرار في ممارسة تخصصاتهم وتطوير خبراتهم.لمعالجة هذه الأزمة بفعالية، يتطلب الأمر تحركًا وطنيًا متكاملاً يشمل إعادة ضبط أعداد المقبولين في كليات الطب بما يتناسب مع احتياجات السوق المحلية والدولية، إلى جانب فتح مجالات جديدة للعمل الطبي مثل الطب الرقمي والبحث العلمي والطب الوقائي. كذلك، يجب تعزيز الشراكات الدولية لتوسيع فرص العمل أمام الأطباء الأردنيين في الخارج، إضافة إلى إطلاق برامج تدريب وتأهيل مدعومة من القطاعين العام والخاص لرفع جاهزية الخريجين.في الختام، يمتلك الأردن ثروة بشرية طبية ذات كفاءة عالية، إلا أن استمرار الوضع الراهن دون تدخل فوري سيجعل هذه الثروة عبئًا اقتصاديًا واجتماعيًا كبيرًا. ومن هنا، تشكل التجارب الناجحة، مثل تجربة تجمع الأطباء الأردنيين في ألمانيا، نموذجًا عمليًا وملهمًا يمكن البناء عليه لتخفيف الأزمة وضمان مستقبل مهني كريم للأطباء، يساهم في تحسين جودة الرعاية الصحية المقدمة للمواطنين.
الرواشدة يكتب: الأردن يواجه أزمة بطالة طبية غير مسبوقة.. 9000 طبيب بلا عمل بحلول نهاية 2025
د. إبراهيم الرواشدة
مؤسس تجمع الأطباء الأردنيين في ألمانيا
الرواشدة يكتب: الأردن يواجه أزمة بطالة طبية غير مسبوقة.. 9000 طبيب بلا عمل بحلول نهاية 2025

د. إبراهيم الرواشدة
مؤسس تجمع الأطباء الأردنيين في ألمانيا
مؤسس تجمع الأطباء الأردنيين في ألمانيا
مدار الساعة ـ