في فلسفة الديمقراطية الاجتماعية، تشكّل الحمايات الاجتماعية خط الدفاع الأول عن كرامة الإنسان، وفي مقدمتها الحق في الصحة والعلاج. فالتأمين الصحي الشامل ليس ترفًا، بل أساس من أسس العدالة الاجتماعية والحمايات الاجتماعية التي تضمن أن يبقى كل مواطن في مأمن من تغول المرض والفقر.
لكن الواقع الذي نعيشه اليوم في القطاع الصحي العام يروي قصة مختلفة، حيث تتكرّر معاناة المواطنين مع نقص الأدوية الأساسية، في مساس مباشر بكرامتهم وحقهم الطبيعي في الحياة.والدتي، التي خدمت هذا الوطن ثلاثين عامًا في مهنة التعليم، تبلغ اليوم الثمانين من عمرها. ورغم امتلاكها تأمينًا صحيًا رسميًا تدفع جزءاً من راتبها التقاعدي للحصول عليه ، إلا أنها لا تجد معظم الأدوية الضرورية مثل أدوية ضغط الدم والمميعات، التي هي بالنسبة لها اساس لبقائها على قيد الحياة.أمام هذا النقص، لم يكن أمامها سوى شراء الأدوية من القطاع الخاص بتكلفة تقارب 100 دينار شهريًا، أي ما يزيد عن ربع دخلها التقاعدي البالغ 370 دينارًا. كيف يمكن لسيدة أفنت عمرها في خدمة الوطن أن تتحمّل مثل هذا العبء، وهي التي يفترض أن يخفف عنها التأمين الصحي لا أن يزيد من أوجاعها؟المأساة لا تقف عند حالة والدتي، بل تمتد إلى آلاف المتقاعدين وصغار الموظفين وكبار السن.الأسبوع الماضي، التقيت بسيدة سبعينية مريضة بالسكري، بحثت طويلًا عن علاجها في المراكز الصحية والمستشفيات الحكومية دون جدوى. وفي النهاية لم تجد بديلًا سوى شراء عبوة واحدة من دوائها بثمن 50 دينارًا ما يشكل عبىء لا يطاق .هذه النماذج ليست استثناءً، بل عنوانًا لأزمة عامة تتناقض مع أبسط مبادئ العدالة الاجتماعية.كيف يبقى المواطن الأردني، بعد عقود من خدمته للوطن، عاجزًا عن الحصول على دوائه؟أين هو مبدأ التأمين الصحي الشامل الذي يفترض أن يحفظ كرامة الناس؟وكيف يُترك المريض في دوامة الانتظار الطويل في المستشفيات ليكتشف في النهاية أن الدواء غير متوفر؟الحلول المطلوبةإن المسؤولية الوطنية والإنسانية تفرض على وزارة الصحة تبني خطوات عاجلة، منها:1. تأمين مخزون استراتيجي من الأدوية الأساسية، خصوصًا أدوية الأمراض المزمنة (الضغط، السكري، المميعات، القلب).2. تطوير نظام توريد ومشتريات شفاف يمنع الانقطاعات والاحتكار.3. التنسيق مع القطاع الخاص لتوفير الأدوية للمرضى بأسعار مدعومة ريثما تُحل الأزمة جذريًا.4. تفعيل الرقابة البرلمانية والمجتمعية لضمان استدامة الحلول وعدم تكرار الأزمة.في الفكر الديمقراطي الاجتماعي، الدولة تقاس بقدرتها على حماية مواطنيها الضعفاء قبل الأقوياء، وبقدرتها على توفير العدالة في العلاج قبل أي شيء آخر.إن بقاء كبار السن والمتقاعدين في مواجهة مباشرة مع المرض ونقص الدواء، هو خلل في صميم تطبيق العقد الاجتماعي بين الدولة والمواطن.الدواء ليس رفاهية، بل مسألة حياة أو موت.وكرامة المواطن ليست بندًا قابلًا للتأجيل أو التفاوض، بل هي جوهر الدولة العادلة.عريفج يكتب: معاناة الأردنيين في نقص الأدوية
مدار الساعة ـ