مدار الساعة - كتب عبد الله العجوري -
ها قدْ انقضى آبٌ، ذلكَ الشهرُ الذي كانَ يجلبُ الخرابَ، أيامٌ طوالٌ منْ شدةِ حرِّها مَنْ كانَ عاصيًا تذكرَ جهنمَ فتابَ، لا يمكنُ لإنسٍ على هذهِ المعمورةِ أنْ ينسى حرَّه وضرَّه خوفَه ومرَّه، باتَ هذا الشهرُ عليلًا، والتهمَ من جلدتِنا طويلًا، حلَّ سخطُه علينا فحرقَ النخيلَ، وأجفَّ بقيظِه الفراتَ والنيلَ، ترى فيه الكائناتِ تصرخُ وتكادُ تسمعُها من شدَّةِ العويلِ، تلملمُ الطيورُ أبناءَها وحاجاتِها وتهمُّ بالرحيلِ، ذلكَ الوقتُ العسيرُ، ذلكَ الحدثُ غيرُ المحظوظِ، شهدْنا بهِ أداءَ شرٍّ ملحوظًا كموتِ نجيبِ محفوظٍ، وكذلكَ انفجار مرفأِ بيروتَ، كدتُ حينها أودُ أنْ أموتَ، أو أنْ يلتهمُني حوتٌ، وعندما وصلَ الحرُّ ذروتَهُ جفَّتِ الأشجارُ وذبلَ التوتُ، فقمتُ ودنوتُ وإلى الخالقِ شكوتُ إلى أنْ حلَّ أيلولُ، وبدأتْ رقائقُ نسائمِه في الموطِنِ تجولُ، ولمْ تصدِّقْ العقولُ ما فعلَهُ أيلولُ حتى دخلَ في ذهولٍ، نظرْنا أغسطسَ ينظرُ إلينا نظرةَ الخجولِ عما فعلَهُ عندما دخلَ إلى الملأِ كالغولِ، أيلولُ الرومانسيةُ أتى مهلكًا ذاتَه لإنقاذِ ما تبقى من البشريَّةِ، ليحيا الجمعُ سعادةً أبديَّةً، شهرُ ميلادِي الذي يطيبُ بهِ فؤادِي، وتنكسرُ بهِ جميعُ قيادِي، كأنَّه أمٌّ تفرحُ لفرحِ أبنائِها، أو بئرٌ نشربُ من عذوبةِ مائِها، بل مملكةٌ تضمُّنا بينَ أحضانِها، هو مدخلُ الشتاءِ، ورمزُ الراحةِ والصفاءِ، والتخلصُ من العذابِ والشقاءِ، فظهرُه كفجرِه في المرونةِ، وعصرِه كليلهِ في العذوبةِ، نحنُ من أيلولَ وأيلولُ منَّا.العجوري يكتب: حلولُ أيلولَ

مدار الساعة ـ