مدار الساعة - بقلم الدكتور "محمد علي" الأحمد أستاذ التاريخ الإسلامي والعثماني / استانبول -تُعد مدينة الكرك، بقلعتها الشامخة في جنوب الأردن، رمزًا للعراقة والمجد، ومفخرة من مفاخر بلاد الشام. لم تكن هذه القلعة التاريخية مجرد حصن، بل كانت دائمًا معقلًا للثوار، ومنارة للعلم والفكر، حيث أنجبت الأبطال والعلماء والشعراء. وفي سجلها الحافل بالبطولات، تتجلى قصة مقاومتها المستمرة التي شهدت هزيمة فلول الصليبيين على يد صلاح الدين الأيوبي، مما جعلها أيقونة للصمود في الذاكرة العربية.
وفي العصر الحديث، احتضنت الكرك قامة أدبية فذة استلهمت من عظمة قلعتها كل معاني العز والفداء، إنه الشاعر الراحل الشريف أسامة محمد مختار المفتي الحسني، المعروف بلقب "راهب القلعة". لم يكن أسامة المفتي مجرد شاعر عادي، بل كان صوتًا حرًا للأمة، عبّر بصدق عن همومها ومجدها، وخلّد الكرك والوطن في قصائده كما لو كانت كيانًا حيًا ينبض بالعزة والكرامة. لقد أضاف المفتي بعبقريته الأدبية إلى سجل أدباء بلاد الشام الكبار أمثال عمر أبو ريشة ونزار قباني ومصطفى وهبي التل، مقدّمًا شعرًا يفيض وطنية وجمالًا. إن إحدى أبرز صور تخليد هذا الشاعر العظيم تكمن في جدارية ميدان مدينة الكرك. هذه الجدارية ليست مجرد قطعة فنية، بل هي وثيقة حيّة، تُخلّد بيتًا خالدًا من قصائده، ينبض بمعاني الفخر والانتماء:"يا قـــلعــة الـــفــرســـان يا وطـــن الـــفـــدا يــا مــــعــــقـــل الـــثوار أنـــت الـــهـــ ام" هذا البيت، الذي نُقش على الجدارية، يمثل وسام شرف على جبين الكرك، وشهادة أدبية وتاريخية على مكانة القلعة في قلوب أهلها. لقد أصبح هذا البيت شاهدًا على ارتباط الشاعر الشريف أسامة المفتي بمدينته، وتخليدًا لروح الفداء التي تمثلها القلعة في الذاكرة الوطنية الأردنية. فمن خلال الكلمة، جسّد الشاعر روح القلعة، وحوّل الحجر الصامت إلى رمز ينطق بالعزة والكرامة. إن تخليد هذا البيت يحمل أبعادًا عميقة تتجاوز مجرد التكريم الفردي؛ فهو جسر بين الماضي والحاضر. فالجدارية تذكّر الأجيال الجديدة بأن الكرك كانت وما زالت قلعة للفرسان ومعقلًا للأحرار، كما رآها الشاعر. وهي أيضًا بمثابة اعتراف بأهمية الشعر والأدب كجزء لا يتجزأ من الهوية والذاكرة الوطنية، وأن الشعراء هم شهود عصرهم وحملة رسالة الأمّة. رحم الله الشاعر الأديب أسامة محمد مختار المفتي الحسني، الذي لم يجعل من الشعر ترفًا، بل جعله منبرًا للكرامة والعزة. إن هذه الجدارية ليست مجرد تكريم لذكراه، بل هي تأكيد على دور الكرك العريق برجالاتها وعظمائها في مسيرة الوطن، وتثبيت لمكانة القلعة كرمز وطني لا يمحى.الشعر والديوان.. وروح الكرك الخالدة

مدار الساعة ـ