أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات وظائف للأردنيين مجتمع أحزاب تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس مناسبات مستثمرون الموقف شهادة جاهات واعراس جامعات بنوك وشركات دين اخبار خفيفة رياضة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

من عطش السدود الى هواء العدادات.. تصريحات الحكومة في مرآة حزب عزم

مدار الساعة,أخبار الأردن,اخبار الاردن,أخبار الأحزاب الأردنية,الملك عبد الله الثاني,وزارة المياه والري,وزارة المياه,حزب عزم
مدار الساعة ـ
حجم الخط

مدار الساعة - مركز حزب عزم للدراسات الاستراتيجية -

منذ سنوات طويلة، يعيش الأردني أزمة مائية تتفاقم عاماً بعد عام، لكن تصريحات وزير المياه في برنامج ستون دقيقة بتاريخ 12/9/2025 كشفت جانبًا صادمًا من هذه الأزمة، حين اعترف بأن عدادات المياه تحتسب هواءً يمر عبر الشبكات، فيدفع المواطن ثمنه وكأنه استهلاك فعلي.

هذا الاعتراف الرسمي والخطير، بدا وكأنه مجرد ملاحظة فنية، لكنه يفتح بابًا واسعًا للأسئلة حول العدالة الاجتماعية وشفافية الإدارة، واعترافاً رسمي متأخراً بأن المواطنين تعرضوا لظلم ممنهج على مدى عقود. ان هذا الاعتراف يجب ان لا يمر مرور الكرام، إذ يكشف خللاً إدارياً مزمناً تتحمل مسؤوليته الحكومة. والسؤال، كيف يمكن أن يُترك المواطن الحلقة الأضعف ضحية لعدادات مشوّهة؟

منذ سنوات، يشتكي الأردنيون من فواتير مياه، لا تعكس استهلاكهم الفعلي، وضجّ الشارع الأردني بعد تصريحات الوزير، وبمقترح الحل المقدم منه، بتركيب هوايات بتكلفة 3–4 دنانير، بدا للبعض وكأن الوزارة تفتح بابًا جديدًا للشركات لتسويق منتجاتها (هكذا يتحول الخلل الفني المزمن في العدادات إلى سوق جديدة للشركات)، في حين من الواجب أن تتحمل الحكومة أو الشركات المشغلة مسؤولية هذا الخلل الفني المزمن، وتقوم بمعالجته جذريًا.

وهنا يظهر التساؤل، إذا كانت الجهة المسؤولة عن تزويد الخدمة تطرح مثل هذا الحل؟ وتصوير القضية وكأنها ابتكار للحل، الا انه قد فتح الباب واسعًا أمام أحاديث حول غياب الشفافية والحاكمية في القطاع.

لكن السؤال الجوهري، كون الحكومة تعلم عن الخلل، لماذا لم تقم بمعالجته منذ سنوات؟ خاصة الوزير مخضرم، ويتردد على وزارة المياه والري منذ 2005، وسبق ان عمل مديراً لوحدة التخطيط والإدارة في وزارة المياه والري (2003)، وكان مسؤولاً عن إدارة 400 مليون دولار لتحقيق اهداف إعادة تأهيل شبكات تزويد المياه، ورفع كفاءة إدارة برنامج تحسين مياه عمان الكبرى.

الحقيقة أعمق من مجرد هوايات، فهي تمس جوهر إدارة قطاع المياه، الذي يواجه أزمة مركبة منذ عقود، سدود شبه فارغة بفعل التغير المناخي، وعجز في تحصيل الحقوق المائية من دول الجوار (سد الوحدة شاهدًا على ذلك)، وآبار عميقة تعاني التلوث أو الاستنزاف العشوائي، وفاقد مائي يقارب 50%، ومحطات معالجة غير كافية، وصرف صحي يختلط أحيانًا بالمياه، ما يضاعف التحديات البيئية والصحية، بحسب تقارير رسمية ودولية، ومن دون حلول عملية متكاملة.

لقد أصبح الأردن، وفق المعطيات الدولية، الأكثر فقرًا في المياه بالعالم، إذ يحصل المواطن على أقل من 20% من حد الفقر المائي (500 متر مكعب)، وحصته من مياه الشرب حوالي 44 متر مكعب سنويًا (مجموع المياه المتاحة للأغراض المنزلية حوالي 519 مليون متر مكعب، وعدد السكان 11,890,193 نسمة بتاريخ 14/9/2025)، في حين ان حصة المواطن من مصادر المياه كافة (البالغة 1093 مليون متر مكعب سنويا، ولكافة الاستخدامات، الزراعة والشرب والصناعة وسياحة، وغيرها) حوالي 92 مترا مكعب.

كما تشير معطيات وزارة المياه إلى أن كميات المياه الجوفية 618 مليون متر مكعب تضخ من الأحواض الجوفية، رغم أن الضخ الآمن يجب أن لا يتجاوز 420 مليون متر مكعب، ما أدى إلى استنزاف هذه الأحواض وانخفاض مستوى سطحها من 25 إلى 75 مترًا في معظم المناطق، وفي بعضها يصل إلى 100 متر، بحسب دراسة المعهد الاتحادي لعلوم الأرض والموارد الطبيعية الألماني عام 2017.

إن مثل هذا الاستنزاف للمياه الجوفية (وهي مهددة لمزيداً من الاجهاد)، أدى الى تدني جودتها، من حيث ارتفاع نسبة الملوحة فيها ووجود مواد مشعة، وهو الامر الذي قد أشار اليه الوزير في لقائه بتاريخ 12/9/2025 ايضاً.

كما أن انخفاض كميات الهطول المطري، والمتوقع ان تكون بنسبة قد تصل إلى 20% جعل السدود فارغة، باستثناء سد الملك طلال، فيما سد الكرامة (خارج الحسبة المائية بسبب الملوحة)، وسد وادي ابن حماد فارغ، بسب اختيار مواقع غير مناسب لأنشائه. علماً بان تكاليف إنشاءهما بلغت حوالي 55 مليون دينار لكل منهما. أما سد الوحدة، الذي أنشئ لتخزين 110 مليون متر مكعب، فقد شهد تجميعًا محدودًا تراوح بين 2.58 مليون متر مكعب في 2006 و17.5 مليون متر مكعب في 2022.

هذا الواقع يستدعي إعادة النظر في موضوع التوسع في السدود، والعمل على تنظيف الموجود منها من الرسوبيات والطمي، والتي يبلغ حجمها حوالي 32 مليون متر مكعب (بدون سد الكرامة)، مع مراعاة التوسع في الحفائر والسدود الترابية في مناطق السيول المؤقتة، والتي يبلغ عددها أكثر من 270 حفيرة بطاقة استيعابية تزيد على 24 مليون متر مكعب، وتكاليفها منخفضة نسبيًا.

رغم اعتماد استراتيجيات وطنية للمياه، فإن الالتزام بها كان ضعيفًا. فاستراتيجية 2008–2020 هدفت لتقليل الفاقد من 42% إلى 28% ولزيادة حصة الفرد المائية، واستراتيجية 2016–2025، ركزت على زيادة حصة الفرد وتقليل الفاقد إلى 25%، مع العمل على تنفيذ مشروع الناقل الوطني وزيادة الاستخدام للمياه الجوفية العميقة، لكن تنفيذها كان محدودًا، إذ ارتفع الفاقد المائي في 2022 نحو 52%، فيما قناة الملك عبد الله سجلت فاقدًا وصل الى 25%. ان كميات الفاقد من المياه المخصصة للشرب (510 مليون متر مكعب)، تقدر بحوالي 234 مليون متر مكعب (بعد تخفيض الفاقد الى 46℅، حسب بيان وزارة المياه والمنشورة بتاريخ 17/8/2024، الا انه، لا أحد يتحدث عن ان الخفض قد يعود الى التخفيض بكميات الضخ، للخروج من الازمة خلال الصيف).

في عام 2022، اطلقت الخطة الاستراتيجية الجديدة للمياه 2023- 2040، وتهدف ايضا لرفع حصة المواطن من المياه، وتنفيذ مشروع الناقل الوطني وإدراج مشروع الازدهار الأزرق للمياه، وحفر الابار العميقة لأعماق تصل إلى 1200 متر (مع ان موضوع الاعتماد على المياه الجوفية العميقة، لا يمكن اعتباره من الخيارات الاستراتيجية بعيدة المدى، من حيث كميات المياه المتاحة والموثوقة والمستدامة لفترات طويلة، ونوعيتها والتي هي في معظم الأحيان ملوثة بالأملاح والإشعاعات أحيانا، وتكاليف استخراجها ومعالجتها تكون باهظة)، وتخفيض الفاقد المائي الى النصف مع نهاية مدة الاستراتيجية.

عند الحديث عن مشاريع خفض الفاقد المائي، والتي سبق وان أعلن بتاريخ 27/6/2010، بان الوزارة نفذت مشاريع بقيمة 350 مليون دينار لاستبدال شبكات مياه في عمان والمحافظات (أشار التقرير الى انه تم خفض الفاقد المائي من 54% الى 35%)، تبعها اعلان من قبل الوزير بتاريخ 18/12/2022 عن مشاريع بقيمة 350 مليون دولار ممولة من USAID، والهادفة الى خفض الفاقد المائي في جميع محافظات المملكة. كما تم الاعلان بتاريخ 7/6/2023 عن حزمة مشاريع لتأهيل الشبكات وتأهيل محطات الصرف الصحي والتوسع في خدماتها، وبقيمة 474 مليون دينار في محافظات شمال المملكة، يضاف اليها مشروع حدائق الملك عبد الله الثاني في اربد (ممول من الحكومة اليابانية)، ومشروع تأهيل شبكات مخيم عزمي المفتي (ممول من البنك الدولي)، ومشروع بلدية الجنيد (ممول من بنك الاستثمار الأوروبي)، ومشاريع اللامركزية والمنحة السعودية وهناك تمويل لمشاريع في جنوب المملكة وغيرها.

مع كل هذه الاستراتيجيات والمشاريع، وخلال ما يقارب العقدين من الزمن، لم يكن هناك زيادة في حصة الفرد من المياه، لا بل انخفضت، ولم تنخفض نسبة الفاقد المائي، بل ازدادت، ولم ينفذ الناقل الوطني، كما وعدنا.

هنا، من الطبيعي ان يظهر السؤال، لماذا لم ينعكس حجم الدعم ومشاريع خفض الفاقد المائي ومشاريع الصرف الصحي وتحسين الكفاءة المائية على خفض الفاقد المائي بنسب تتماشى مع حجم المشاريع المنفذة والممولة من جهات دولية؟

ان الجواب على ذلك واضح في بعض التقارير، انه لم يتم بذل الجهد الكافي خلال السنوات الماضية للاستغلال التمويل الدولي والذي كان متاحاً الى حد ما، لموجهة آثار التغير المناخي على قطاع المياه. ان عدم معالجة موضوع الفاقد والتوسع ببناء محطات معالجة المياه وتوسيع القائم منها بشكل موازي وبصورة عاجلة قبل البدء بتشغيل الناقل الوطني، سيؤدي حتماً إلى خسارة مئات الملايين من الدنانير ككلفة مباشرة لأثمان المياه (التي سيتم تحليتها وضخها) والكلف غير المباشرة لعدم استخدامها في التخفيف من معاناة المواطنين واستخداماتها الاخرى في الزراعة والتي ستنعكس على الامن الغذائي وغيرها من المشاريع التنموية.

مشروع الناقل الوطني، والذي يصنف الأكبر بين المشاريع الاستراتيجية في تاريخ المملكة في حال تم تنفيذه، والذي يهدف إلى تحلية 300 مليون متر مكعب من المياه سنوياً ونقلها لمسافة تقدر بحوالي 450 كيلو متر، للمساهمة في تأمين الأمن المائي للأردن.

إن تنفيذ المشروع بكافة مراحله، من حيث نقل التكنولوجيا لبناء محطة التحلية، والمضخات، وصهاريج التخزين، ومرحلة نقل المياه عبر الخطوط، والذي من المفترض أن ينتهي مع نهاية هذا العقد (الأمر غير مؤكد أن يتحقق في الموعد)، حيث سبق وأن تم وعدنا وبتصريح رسمي بأن التزويد بمياه الناقل الوطني ستكون في عام 2027.

عند الحديث عن تكلفة المشروع، نجد تضاربا في التصريحات، حيث كانت في البدايات تقدر بحوالي 2 مليار، وتم رفع التقدير الى 2.5 مليار، وأخرى 2.7 مليار، وبعدها بـ 3 مليارات، وأخيراً تصريح الوزير بأن التكلفة تقدر بـ 4 مليار دينار، وقد تصل الى 6 مليار دينار.

التجارب العالمية تبين، بان المرحلة الاولى من المشروع (مرحلة الضخ من البحر وتكنولوجيا التحلية والصهاريج)، سبق وان نفذت مثلها في دولة قطر ولإنتاج 300 مليون متر مكعب من المياه، وبكلفة كانت أقل من مليار دولار، ومحطة الدار البيضاء في المغرب ولنفس كميات المياه، وبكلفة 340 مليون يورو. وهنا يظهر السؤال، هل يمكن ان تصل تكلفة النقل لقيمة تتراوح بين 4-5 مليار دينار؟

هذا الاختلاف بالأرقام يضع الحكومة أمام اختبار شفافيتها، وإذا لم تُكشف الأرقام بوضوح أمام الرأي العام، فستبقى هناك الكثير من الأسئلة، حول وجود هدر أو سوء تقدير، سيرهق المواطن والدولة معاً.

وهنا يقف حزب عزم، صاحب فكرة تنفيذ مبادئ الليبرالية الاقتصادية القائمة على ترشيد الإنفاق، وتعزيز الإنتاجية، والإدارة بالشفافية، وتحميل قيادات المؤسسات المسؤولية عن أخطائها، مقابل رفضه القاطع لليبرالية الاجتماعية التي تهدد منظومة القيم. وهو الذي يرى بانه في خضمّ الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، تبقى أزمة المياه الجرح النازف، ويفتح باب التساؤل حول جدية السياسات الحكومية في التعامل مع واحدة من أخطر التحديات الوجودية.

كما ويطرح الحزب، سؤالًا جوهريًا، حول تقدير تكلفة المشروع، في حين أن مشاريع مشابهة في دول أخرى كلفت أقل من ذلك بكثير؟ وهذا خلل ان ثبت يدق ناقوس الخطر بشأن تحميل الدولة مديونية إضافية ستقع تبعاتها على المواطن، من حيث تكلفة المتر المكعب؟ وهل يستطيع تحملها؟ علماً بان كلفة المياه النظيفة على المواطنين يجب ان لا تزيد عن 3 % من دخل الاسرة وفقاً للجمعية العامة للأمم المتحدة.

إن الحزب يرى، بان تنفيذ مثل هذا المشروع (في حال بقي الامر كما هو عليه من حيث التزويد من المصادر التقليدية والاستهلاك للقطاعات الزراعية والصناعية والاستخدامات الأخرى)، يتطلب السير وبشكل موازي في التوسع وتحسين شبكات الصرف الصحي ورفع اعداد محطات معالجة المياه والطاقة الاستيعابية لها (يتوفر حالياً 31 محطة، تعالج حوالي 186 مليون متر مكعب)، وذلك لاستيعاب كميات المياه المزمع انتاجها من خلال الناقل الوطني، لمعالجتها واستخدامها في الزراعة.

إن استمرار الوضع وللسنوات القادمة، ستنخفض فيه حصة الفرد من مياه الشرب إلى رقم كارثي، آخذين بعين الاعتبار نسبة النمو السكاني الطبيعية والبالغة 1.9 %، ما لم يحدث مفاجآت لم تكن في الحسبان.

تشير التقديرات، بانه ولتنفيذ خطة الرؤية الاقتصادية، سيكون الأردن بحاجة الى ما لا يقل عن 1750 مليون متر مكعب من المياه للمحافظة على كميات التزود الحالية، او لتحسينها نوعاً ما، الا ان كميات المياه المتاحة وفي حال ثبات التزود بالمياه السطحية والجوفية وبنفس الأرقام الحالية، ويضاف اليها 300 مليون متر مكعب من الناقل الوطني ستصبح حوالي 1393 مليون متر مكعب مع نهاية هذا العقد، وفي أحسن الأحوال لن تزيد على 1500 مليون (وهذا الرقم يبقى بعيدا كل البعد عن مستوى خط الفقر المائي المطلق)، وفي حال نجحنا في تقليل الفاقد السنوي من المياه، فان الوضع قد يتحسن نسبياً، الا ان العجز المائي سيبقى مستمرا، إن لم يتفاقم في حال التوسع في المشاريع الاستثمارية والتنموية لزيادة النمو الاقتصادي لاستحداث مليون فرصة عمل.

إن الوصول لتحقيق اهداف الرؤية الاقتصادية وخلق مناخ استثماري، يتطلب وجود خطة تنفيذية واضحة المعالم ومشتركة للقطاعات (المياه والزراعة والطاقة وغيرها)، لكل سنة من سنوات الخطة. ولتحقيق ذلك يجب توفير الكهرباء لقطاع المياه بأقل التكاليف، لتخفيض تكاليف المتر المكعب الى اقل من النصف، مما يخفض قيمة الدعم الحكومي المباشر.

إن الخروج من الازمة الوجودية للمياه وتحقيق الامن الغذائي، يتطلب استغلال كافة الموارد المائية والمالية والتوسع في توفير المصادر غير التقليدية وتحديد الأوليات بدقة على المدى القصير والمتوسط وطويل الاجل، ومتابعة تنفيذها، والمسألة عليها، للوصول الى الأمن المائي المقبول للوطن.

إن مثل هذا الوضع، يتطلب من الحكومة أن تسخر كافة الإمكانات والموارد لتدارك الأمر، والتي منها تسريع وتيرة الحد من الفاقد المائي، والإسراع في توسيع شبكات ومحطات معالجة مياه الصرف الصحي لرفع كفاءتها وتجويد مخرجاتها (لتصل 250 -300 مليون متر مكعب) والإسراع في التوسع باستخدام مصادر الطاقة الرخيصة، لتخفيض تكلفة الطاقة المستخدمة في قطاع المياه والبالغة 9 % من كميات الطاقة المنتجة.

لكن المفارقة أن الحكومات المتعاقبة لم تتوقف عن إطلاق خطط استراتيجية لحل أزمة المياه، بدءًا من حفر الآبار العميقة وصولًا إلى مشروعات التحلية، الا ان معظم هذه الخطط بقية حبرًا على ورق، او تم الغاءها مع تغير الوزراء، أو نفذ بطريقة مشوهة، ما أدى إلى تفاقم مشاكل مثل تلوث المياه الجوفية، وعدم قدرة شبكات الصرف الصحي، وعدم الاستفادة من الدعم الدولي لمشاريع المياه كما يجب.

هنا يتضح أن العجز لم يكن في التمويل وحده، بل في العمليات الإدارية، والغياب الصارخ للمساءلة.

من منطلق ايمان حزب عزم بالليبرالية الاقتصادية الرشيدة، التي ترفض تحميل المواطن ثمن أخطاء الإدارة، فان الحزب يقدم حزمة توصيات واضحة، بان يتم تحقيق وطني مستقل، وتشكيل لجنة محايدة تضم خبراء موثقين لمراجعة كل مشاريع المياه، وتدقيق كلف الناقل الوطني مقارنة بالتجارب العالمية، ومساءلة الشركات المشغلة للمياه، وإلزامها بتركيب الأجهزة التقنية (الهوايات، العدادات الذكية) على نفقتها، وتعويض المواطنين (احتساب قيمة الهواء التي دفعها المواطن على مدار السنوات، واستردادها لصالح المشتركين، ويمكن ذلك عن طريق خصومات على الفواتير أو إيجاد آلية عادلة (حيث ان تصريحات الوزير تشكل اعتراف قانوني، ويشكل قاعدة للتقاضي، لا لبس فيها)، وإدارة الدعم المالي الدولي بصرامة، وربطه بمؤشرات أداء واضحة وزمن تنفيذ محدد، ومنع هدرها في دراسات متكررة، وإعادة تقييم المشاريع الضخمة، خاصة الناقل الوطني لضمان كلف عادلة وشفافة تمنع تضخيم الأرقام، واعتماد خطة طوارئ قصيرة المدى (لإصلاح التسريبات، وتحديث العدادات، ومعالجة الصرف الصحي، واستثمار حلول معالجة صغيرة وسريعة لحماية المواطن من أزمة آنية)، وتفعيل الدبلوماسية المائية لاسترداد الحقوق الأردنية من المياه المشتركة مع دول الجوار وربطها بالاتفاقيات الدولية، وضبط المديونية (أي قرض جديد يجب أن يُقرن بضمانات على الأداء والإنجاز)، وتنمية مصادر المياه الجوفية وحمايتها وفق معايير بيئية صارمة (في كثير من المناطق، ما يزال نسبة كبيرة من المواطنين يعتمدون على الحفر الامتصاصية، حيث تُسجل بعض الألوية أكثر من 16 ألف حفرة امتصاصية، ما يسبب تلوثاً خطيراً للمياه الجوفية بالنترات، هذا التلوث يجبر الدولة لاحقاً على الحفر أعمق، أو شراء المياه، أو بناء محطات معالجة إضافية (أن سوء الإدارة اليوم سيتحول إلى ديون وفواتير باهظة غداً)، وإنشاء هيئة رقابية مستقلة لمتابعة جميع مشاريع المياه وضمان كفاءتها، بما يمنع تكرار الإخفاقات السابقة.

الحزب تابع ودرس خطط وزارة المياه، وحيث كانت خطة الوزارة الاستراتيجية (2016–2025) والتي رُوّج لها كحل شامل للأزمة، لم تنفذ بالشكل الموعود، وكذلك معظم المشاريع تأخرت أو تبعثرت بين دراسات إضافية ومناقصات معلقة، فكانت النتيجة، الأردن ما زال على حافة العطش، فيما تتحول الاستراتيجيات إلى شعارات أكثر منها سياسات فعالة.

المياه ليست مجرد خدمة عامة، بل قضية سيادة وأمن وطني، لذلك نحن اليوم، بحاجة ماسة لإعادة النظر في طريقة إدارة الملف، إما أن نستمر في نهج الارتجال الذي يحمّل المواطن فاتورة كل خلل، أو أن يتحلى بالجرأة لمواجهة مكامن الخلل وإصلاح الإدارة المائية. تصريحات الوزير لم تعد مجرد ملاحظة عابرة، بل صارت اعترافًا رسميًا بأزمة أعمق، والمطلوب اليوم ليس البحث عن هوايات، لترقيع العدادات، بل عن رؤية وطنية تعيد الثقة للمواطن، وتحمي الأردن من العطش القادم.

أزمة المياه ليست قدراً محتوماً، بل نتيجة سياسات متعثرة وخطط غير منفذة. لكن الوقت قد حان لعقد مائي جديد، يُدار بالشفافية والكفاءة، بحيث لا يدفع المواطن ثمن الهواء ولا ثمن الفشل. فالماء حياة، وإذا فشلنا في إدارته بشفافية وعدالة (إدارة المياه ليست رفاهية، بل صراع وجودي)، فإن ما ندفعه اليوم من فواتير هواء، قد يتحول غدًا إلى ثمن لا تحتما الدولة كلفته. فالأردن بحاجة إلى رؤية اقتصادية ليبرالية رشيدة تحفظ الماء والمال معًا، وتصون حق الأردني في حياة كريمة.

حزب عزم يذكّر أن الإصلاح لا يبدأ بالهوايات ولا ينتهي بالوعود، بل يبدأ ببناء المصداقية، وبتدقيق الأرقام، وبإعادة الحقوق للمواطنين كأولوية قصوى.


مدار الساعة ـ