مدار الساعة - كتب: حامد معلى الزيود -عام يمضي على حكومة دولة الدكتور جعفر حسان، عام لا يمكن وصفه بالأرقام أو الإحصاءات فحسب، بل بالتحولات العميقة في معنى “الحكومة” ذاتها، فقد اعتدنا أن تبقى الحكومات أسيرة الجدران الأربعة لمكاتبها، تحكم من مسافة، وتخطط من بعيد، لكننا اليوم أمام تجربة مختلفة: حكومة خرجت من النصوص الجامدة إلى الساحات، من المكاتب المكيّفة إلى ميادين الناس.
لقد أراد جلالة الملك دومًا “حكومة ميدانية”، قريبة من نبض الشارع ومشاكله وما يلفت في نهج الدكتور جعفر حسان أنه لم يكتفِ بترديد هذا الشعار، بل جعله واقعًا ملموسا فتنقل بين المحافظات، يسجل ملاحظاته بنفسه، يدوّن قبل أن يقرر، يسمع قبل أن يحكم تلك البساطة في الفعل تحمل فلسفة عميقة معناها أن الحكم ليس وصاية، بل شراكة مع الناس، وأن الإصلاح لا ينبت في العواصم فقط، بل في القرى والبوادي والأطراف.أكثر من عشر جلسات لمجلس الوزراء خارج مبنى الوزارة لم تكن مجرد رمزية بروتوكولية، بل إشارة بأن القرار يجب أن يصدر من قلب الميدان. اللقاءات مع السلطات التشريعية والقضائية أكدت أن الدولة جسد واحد، لا تنفصل أطرافه والحوار مع الكتل الحزبية أعاد الحياة إلى فكرة السياسة كفنٍ للحوار لا للصراع أما اللقاءات مع الأمناء العامين للوزارات، فكانت رسالة بأن الإدارة التنفيذية ليست تروسًا معزولة، بل منظومة متكاملة تحتاج إلى توحيد الرؤية والجهد.ولعل ما يميز هذه التجربة أن الميدان لم يعد مجرد مكانٍ جغرافي يُزار ثم يُترك، بل تحوّل إلى “مختبر سياسي” يُعاد فيه اختبار الأفكار والقرارات على أرض الواقع، بين الناس، وفي مواجهة التفاصيل الصغيرة التي غالبًا ما تغيب عن أعين صانعي القرار. هنا تكمن القيمة الفلسفية: أن المعرفة لا تولد من الكتب وحدها ولا من التقارير المكتبية، بل من الاحتكاك المباشر بالواقع، من الإصغاء إلى أصوات الناس ومعاناتهم، ومن القدرة على تحويل هذه الأصوات إلى سياسات قابلة للتطبيق. وهكذا، تصبح الحكومة نفسها “رحلة بحث” عن الحقيقة الوطنية، رحلة لا تنتهي عند إنجاز محدد، بل تتجدد مع كل لقاء وحوار وخطوة في الطريق.ثم يأتي البُعد الأوسع وهو التركيز على العلاقات العربية والدولية هنا تبرز فلسفة أخرى: أن السياسة الداخلية لا تنفصل عن مكانة الدولة في محيطها. فالحكومة الميدانية ليست فقط تلك التي تقترب من مواطنيها، بل تلك التي ترفع اسم وطنها في المحافل، وتجعل من الدبلوماسية امتدادًا للتنمية والكرامة الوطنية.إن حكومة جعفر حسان تقدم نموذجًا لفلسفة “الفعل العملي”، حيث تلتقي الرؤية الملكية بالترجمة التنفيذية، وحيث لا تعود السياسة مجرد خطابات أو وعود، بل ممارسة يومية تتجسد في سفرٍ بين المحافظات، وفي تدوين ملاحظات بقلم رئيس الوزراء نفسه، وكأن الكتابة هنا ليست مجرد تسجيل، بل شهادة على عهد جديد: أن الدولة موجودة حيث يكون المواطن.وهكذا، يصبح العام الأول لهذه الحكومة ليس مجرد زمن، بل علامة على بداية تحوّل في طبيعة الحكم نفسه: من حكومة الغرف المغلقة إلى حكومة الهواء الطلق، من قرارات فوقية إلى شراكة حقيقية، من تمثيل تقليدي إلى ممارسة ميدانية حيّة.من الميدان.. حكومة حسان عام على الإنجاز
مدار الساعة ـ











