أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس الموقف مناسبات جاهات واعراس مستثمرون شهادة جامعات خليجيات مغاربيات دين بنوك وشركات اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

الزيود يكتب: الحنيطي وصوت الحدود


حامد معلى الزيود

الزيود يكتب: الحنيطي وصوت الحدود

مدار الساعة ـ
الزيود يكتب: الحنيطي وصوت الحدود

مدار الساعة - كتب: حامـد الزيود - القيادة الحقيقية تُقاس بمدى قدرتك على النزول إلى الأرض أكثر مما تصعد إلى القمة،

بتوجيهات ملكية سامية من حضرة صاحب الجلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، القائد الأعلى للقوات المسلحة الأردنية، وبمتابعة حثيثة من سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، يترجم الجيش العربي فلسفة القيادة إلى ممارسة يومية تُجسد القرب من الناس وتواضع القادة في الميدان. وفي لحظةٍ يختلط فيها الغبار برائحة الأرض، وتتماهى أصوات الجنود مع نبض الحدود، يظهر رئيس هيئة الأركان المشتركة، اللواء الركن يوسف أحمد الحنيطي، لا كصورة متعالية خلف المكاتب، بل كظلٍّ يمشي بين صفوف جنوده، يربت على أكتافهم، ويُصغي إلى همس الأرض قبل أن يقرأ تقاريرها. هنا، يصبح القائد ليس فقط حارس الوطن، بل رمزًا للتواضع، حيث تتجلّى فلسفة القيادة في قدرتها على الانحناء للإنسان، لا الاكتفاء برفع الشعار.

الجولات على الحدود ليست مجرد تحركات عسكرية أو إجراءات أمنية، بل هي رسائل عميقة تُخاطب الداخل والخارج معًا: الداخل الذي يحتاج أن يطمئن إلى أن الأمن ليس كلمات، والخارج الذي يفهم أن الأردن يملك قيادةً تُجيد الجمع بين الحكمة والحزم، وبين الإنسانية والصرامة. هنا تتجسد فلسفة "القوة العادلة": قوة لا تظلم، وعدالة لا تضعف.

سياسيًا، يعلّمنا مشهد تواضع القائد أن الشرعية لا تُستمد فقط من الرتبة والسلطة، بل من القرب من الناس، من أن يرى الجندي قائده بينهم، يأكل معهم خبز الحدود، ويسهر على تعبهم كما يسهر على رسم الخطط. هذه الرمزية تتجاوز الميدان العسكري لتصير خطابًا اجتماعيًا يُذكّرنا أن التواضع ليس ضعفًا، بل هو قمة القوة حين تتجسد في خدمة الآخرين.

أما نفسيًا، فإن صورة القائد الذي يتابع التفاصيل بنفسه، تُلقي في الروح طمأنينة نادرة. كأنها تقول إن هناك من يحمل الهمّ قبل أن يشاركك القرار، ومن يسهر قبل أن تنام مطمئنًا. هنا يصبح الجيش ليس مجرد مؤسسة، بل امتدادًا لنفس الإنسان الأردني الذي يعي أن الحياة بين الصراع والاستقرار تُحسم بخيط من الحكمة واليقظة.

وزيادة على ذلك، فإن شخصية اللواء الركن يوسف الحنيطي تحمل بعدًا فلسفيًا في إدراكه أن القيادة ليست امتيازًا، بل تكليفًا ومسؤولية. هو القائد الذي يُدرك أن الحدود ليست فقط خطوطًا تُرسم على الخرائط، بل هي ذاكرة وهوية ودماء شهداء. إن حضوره الميداني يعكس أن القائد الحق لا يكتفي بإصدار الأوامر، بل يعيش تفاصيلها، ويشارك رجاله أعباءها، ليصير بذلك شاهدًا على أن القيادة فعل وجودي قبل أن تكون وظيفة عسكرية.

وفي عمقها الفلسفي، تُعيدنا هذه الجولات إلى معنى "الحارس الوجودي": ذاك الذي لا يحمي فقط الأرض، بل يحرس الهوية والذاكرة، ويمنع الغياب عن الذات. القائد المتواضع هو درس للسياسيين والمثقفين والناس أجمعين: أن القيادة ليست في علوّ الصوت، بل في قدرة الصمت على أن يحرس الجميع.

إنها ليست مجرد جولات حدودية عابرة، بل سرد لحكاية قيادة تُكتب في صمت، يرويها اللواء الركن يوسف أحمد الحنيطي بخطواته بين الجنود، مستلهمًا رؤية جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين وولي عهده الأمين الأمير الحسين بن عبدالله الثاني. حكاية تبدأ من ثقة الجندي حين يرى قائده بجواره، وتمتد إلى ثقة الوطن كله حين يطمئن أن حدوده ليست مرسومة على الورق فقط، بل محفورة في وعي قائد متواضع يعرف أن القيادة ليست فوق الناس، بل معهم. هكذا يتحول المشهد من مجرد متابعة عسكرية إلى درس فلسفي في المعنى الأعمق للسلطة: سلطة تستمد هيبتها من القرب، وتستمد قوتها من القدرة على الإصغاء.

إن تواضع الحنيطي في الميدان، وحرصه على المتابعة الدقيقة، ليسا تفصيلاً بروتوكوليًا، بل علامة فارقة تقول إن الجيش الأردني يختزن روحًا إنسانية بقدر ما يختزن قوة عسكرية. وبين صمت الحدود وصوت القائد، يتشكل خطاب غير معلن: أن الوطن لا يحرسه السلاح وحده، بل يحرسه القائد الذي يعرف أن العظمة تكمن في البساطة، وأن التواضع ليس عابرًا، بل هو الفلسفة التي تمنح القيادة بعدها الإنساني والسياسي والاجتماعي.

مدار الساعة ـ