أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة مستثمرون شهادة الموقف مناسبات جاهات واعراس جامعات بنوك وشركات خليجيات مغاربيات دين اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

التل يكتب: أربعون عاماً من الوعود: لماذا لم تنقذنا برامج الصندوق الدولي؟!


د. مصطفى التل

التل يكتب: أربعون عاماً من الوعود: لماذا لم تنقذنا برامج الصندوق الدولي؟!

مدار الساعة ـ

مع اقتراب بعثة صندوق النقد الدولي من بدء المراجعة الرابعة لبرنامج الأردن الاقتصادي الأحد القادم، يعود السؤال الأبرز: إلى أين ستقودنا هذه الجولة الجديدة من المراجعات؟! وهل ستكون مختلفة عن سابقاتها التي عاشها الأردن على مدى العقود الماضية؟!

كنت جالساً مع العم أبو محمد، صاحب ورشة النجارة المتواضعة في حينا، حين قال بصوت حزين: "بعد أربعين عاماً من العمل، أولادي لا يريدون متابعة هذه المهنة. يقولون ليس فيها مستقبل."

هذه الكلمات لم تخرج من قلب أبو محمد فقط، بل خرجت من قلب وطن يتساءل: إلى أين تذهب جهود الأربعين عاماً الماضية؟! وأين نحن من كل تلك الوعود الاقتصادية التي سمعناها منذ تسعينيات القرن الماضي؟!

أتذكر جيداً أيام التسعينات، حين كنا نسمع عن "الإصلاح الاقتصادي" وكأنه طوق النجاة, واليوم، بعد كل هذه السنوات، أجد نفسي أسأل: أي إصلاح هذا الذي جعل بطالة الشباب تصل إلى مستويات لم نشهدها من قبل؟! أي إصلاح هذا الذي جعل صاحب الورشة الصغيرة يفضل إغلاقها والبحث عن عمل آخر؟!

الحقيقة المريرة التي يجب أن نواجهها هي أننا ندور في حلقة مفرغة. كل بضع سنوات نسمع عن برنامج جديد، ووعود جديدة، ولكن النتيجة واحدة: المزيد من الأعباء على كاهل المواطن البسيط، والمزيد من الصعوبات على أصحاب الأعمال الصغيرة.

القصة تتكرر دائماً: نرفع أسعار الكهرباء والماء والوقود، نزيد الضرائب، ثم نتساءل: لماذا لا ينمو الاقتصاد؟! لماذا تغلق المصانع أبوابها؟! لماذا يهاجر شبابنا؟!

قبل أيام، زارني صديق يعمل في مجال الصناعة, كان محبطاً ويائساً: "كيف أستمر في عملي عندما تصلني فاتورة الكهرباء بمبالغ كبيرة؟! كيف أنافس مصانع في دول مجاورة تدفع جزءاً بسيطاً مما أدفعه؟!"

السؤال الذي يفرض نفسه: لماذا لا نستفيد من تجارب الدول الأخرى؟! لماذا لا نتبع نفس النهج الذي اتبعته دول نجحت في تحويل اقتصادها؟! لماذا لا نخصص دعماً حقيقياً للقطاعات المنتجة بدلاً من سياسة الرفع والزيادة المستمرة؟!

الأمر يحتاج إلى شجاعة.. شجاعة في الاعتراف أن بعض السياسات لم تنجح.. شجاعة في تغيير المسار.. شجاعة في مواجهة التحديات الحقيقية بدلاً من معاقبة المواطن البسيط.

ما أحوجنا اليوم إلى وقفة صادقة مع الذات, وقفة نقرر فيها أن نغير من نهجنا.. أن نعطي فرصة حقيقية للشباب.. أن ندعم أصحاب الورش الصغيرة والمتوسطة.. أن نخلق بيئة مناسبة للاستثمار والإنتاج.

في الورشة المتواضعة لأبي محمد، هناك دروس كبيرة.. هناك إصرار على الاستمرار رغم الصعوبات.. هناك أمل في غد أفضل.. فهل نستطيع نحن أن نكون عند مستوى هذا الأمل؟

الوطن يستحق منا أكثر.. الشباب يستحقون فرصة حقيقية.. والأجيال القادمة تستحق أن ترى بلدنا أفضل مما ورثناه.

الوقت لا يزال يمهلنا.. ولكن ليس إلى الأبد.. فلتكن بداية التغيير من اليوم.. من الآن

مدار الساعة ـ