أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس الموقف مناسبات جاهات واعراس مستثمرون شهادة جامعات خليجيات مغاربيات دين بنوك وشركات اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

الدلاهمة يكتب: أهمية الحوار والتوافق بين الأديان السماوية الثلاث في محاربة العنصرية والعنف والإرهاب والتطرف


الدكتور جمال الدلاهمة

الدلاهمة يكتب: أهمية الحوار والتوافق بين الأديان السماوية الثلاث في محاربة العنصرية والعنف والإرهاب والتطرف

مدار الساعة ـ

يشهد عالمنا المعاصر ترابطًا وتنوعًا متزايدًا بين الشعوب والثقافات، مما يجعل الحوار والتعاون بين الأديان السماوية الثلاث – الإسلام والمسيحية واليهودية – ضرورة إنسانية وأخلاقية، لا ترفًا فكريًا. فالحوار بين هذه الأديان لا يُعد فقط وسيلة للتفاهم، بل هو أساس لتعزيز قيم السلام والتعايش ونبذ العنف والتطرف بكل أشكاله. إنّ القواسم المشتركة بين الأديان السماوية، رغم ما بينها من اختلافات تاريخية، تؤكد وحدة القيم الإنسانية التي تقوم على العدالة والرحمة والكرامة والمساواة. ومن خلال هذا التلاقي القيمي يمكن للأديان أن تساهم بفعالية في مواجهة الكراهية والتمييز والعنف الديني.

يُسهم الحوار بين الأديان في تعزيز التفاهم والاحترام المتبادل بين أتباعها، إذ غالبًا ما تنشأ النزاعات وسوء الفهم بسبب الجهل بالآخر أو الصور النمطية الخاطئة. فالتعارف على المعتقدات والممارسات الدينية المختلفة، وبناء جسور الثقة والتعاون، يسهمان في تقليل التوترات الدينية والاجتماعية. وقد شهدت مبادرات الحوار بين الأديان في الولايات المتحدة وأوروبا نماذج ناجحة للتقريب بين المسلمين والمسيحيين واليهود.

كما يبرز دور الحوار في مواجهة التطرف والإرهاب، إذ تحاول الجماعات المتطرفة دائمًا استغلال النصوص الدينية لتبرير العنف، بينما تؤكد التعاليم الحقيقية للأديان جميعها على السلام والرحمة واحترام الحياة. وقد عبّرت العديد من المبادرات عن هذه القيم، مثل رسالة عمّان عام 2004، ووثيقة "الأخوة الإنسانية" التي وُقعت في أبوظبي عام 2019، والتي دعت إلى التسامح والتعاون الإنساني بين أتباع الديانات.

تلتقي الأديان السماوية الثلاث على رفض العنف والدعوة إلى العدل والمساواة. فالإسلام يحث على التسامح والصبر والعدل، ويحرم قتل الأبرياء. والمسيحية تؤكد على محبة الجار وحتى الأعداء، وتشجع على المصالحة وبناء السلام. أما اليهودية، فتدعو إلى العدالة والرحمة وحماية الضعفاء، وتؤكد على المسؤولية الجماعية في نشر الخير. ومن هنا يتضح أن الأديان جميعها تمتلك الأسس الأخلاقية اللازمة لمحاربة التطرف والعنصرية، وترسيخ ثقافة السلام بين البشر.

تُظهر التجارب التاريخية أن النزاعات الدينية في أوروبا خلال العصور الوسطى لم تكن ناتجة عن الدين نفسه، بل عن مصالح سياسية واقتصادية استغلت الدين لتحقيق أهدافها. أما في العصر الحديث، فقد أثبتت المبادرات المشتركة بين الأديان أن التعاون القائم على القيم الإنسانية يمكن أن يمنع العنف ويعزز التماسك الاجتماعي. إنّ العودة إلى جوهر الأديان وتفعيل الحوار بين قادتها ومؤسساتها من شأنه أن يحصّن المجتمعات من الانقسام والكراهية.

كما يمكن للتعليم والإعلام أن يلعبا دورًا محوريًا في دعم هذا الحوار، من خلال نشر الوعي بقيم التسامح والعدالة والمساواة، وتشجيع المشاريع المجتمعية المشتركة التي تجمع أتباع الديانات الثلاث في جهود إنسانية وتنموية. إنّ المنتديات الدينية والحوارية بين القادة والمفكرين تتيح فرصًا لتبادل الرؤى ومناقشة التحديات التي تواجه المجتمعات، ووضع نماذج عملية للتعاون في مواجهة العنف والتطرف.

وفي الختام، فإن الحوار بين الإسلام والمسيحية واليهودية يشكل ضرورة ملحّة لمواجهة العنصرية والإرهاب في عالمنا المعاصر. ومن خلال التركيز على المبادئ الأخلاقية المشتركة – الرحمة، العدل، والمساواة – يمكن للأديان أن تكون قوة فاعلة للسلام والتعايش الإنساني. إن الدين الحقيقي لا يدعو إلى الانقسام أو العنف، بل يعزز الفهم والمسؤولية الأخلاقية، ويساهم في تحسين حياة الأفراد والمجتمعات على حد سواء.

مدار الساعة ـ