عندما يُخصَم من راتبك ذلك المبلغ الشهري للضمان الاجتماعي، فإنك تضع ثقتك في أن هذه المدخرات ستكون سنداً لمستقبلك ومستقبل عائلتك , هذه الثقة تتزعزع إذا ما تمت المصادقة على التعديلات المقترحة لقانون الضمان الاجتماعي، والتي تحمل في طياتها مخاطر حقيقية تهدد مدخرات ملايين المواطنين.
يأتي التعديل المقترح ليشطب البند الذي يلزم الصندوق بنظام الخدمة المدنية، مستبدلاً إياه بنظام إداري ومالي خاص, هذه الخطورة تبدو للبعض وكأنها منح للصندوق استقلالية إيجابية، لكن الحقيقة أنها تفتح الباب أمام ضعف في الشفافية، حيث قد تؤدي أنظمة التوظيف الخاصة إلى المحسوبية والتعيين غير الموضوعي, كما أن ذلك يصعّب من مهمة الجهات الرقابية في متابعة أداء الصندوق بشكل كامل.كما أن إضافة ممثل عن البنك المركزي وأحد الأجهزة الرقابية إلى مجلس الاستثمار، رغم أن الظاهر منها أنها خطوة لتعزيز الرقابة، إلا أنها قد تؤدي إلى بطء في اتخاذ القرارات المهمة، مما يفوت على الصندوق فرصاً استثمارية ثمينة, كما أن اختلاف أولويات هذه الجهات عن الهدف الأساسي لمجلس الاستثمار المتمثل في تحقيق أفضل العوائد قد يخلق تضاربا في المصالح.أما التحول الأكثر خطورة فهو السماح للصندوق بالدخول في أنشطة مصرفية محفوفة بالمخاطر، حيث سيدخل الصندوق في عمليات إقراض مباشرة للأفراد والشركات، مما يعرض أموال المشتركين لخطر عدم السداد,مقروناً بتحول الصندوق من الاستثمار المتنوع إلى التركيز على قطاع الإقراض الذي سيزيد من هشاشة موقفه المالي أمام أي أزمة اقتصادية,والأخطر من ذلك أن الصندوق سيتحول إلى منافس قوي للبنوك بأموال ضخمة، مما يشوه السوق المالي.ولا نغفل عن أن إنشاء هيكل إداري منفصل يعني تكاليف تشغيل إضافية تستنزف عوائد الاستثمار، كما أن الفصل بين إدارة الصندوق واستثماراته يضعف آليات المساءلة والمحاسبة.إننا نتفهم تماماً الحاجة إلى تحسين عوائد استثمار أموال الضمان الاجتماعي، لكن ليس على حساب الأمان والاستقرار, فمدخرات الضمان الاجتماعي تمثل شبكة أمان حقيقية للمتقاعدين والعاجزين، وضمانة لمستقبل الأسر التي فقدت معيلها، وأمانة في عنق الدولة تجاه مواطنيها.بدلاً من هذه المخاطرة غير المحسوبة، يمكن تطوير طرق استثمارية تقليدية أكثر أماناً، مع تنويع مجالات الاستثمار ضمن أطر محافظة، والاستفادة من خبرات الدول الأخرى في استثمار أموال الضمان الاجتماعي دون المخاطرة بها.نهيب بأصحاب القرار أن يتريثوا وأن يعوا أن هذه الأموال ليست مجرد أرقام في سجلات مالية، بل هي دماء العاملين وعرق الكادحين وأمل الأسر. لا تجعلوا من مدخراتنا رهاناً في سوق المخاطرة، ولا تتاجروا بأمانتنا تحت شعارات التطوير البراقة. فلنعمل معاً على الحفاظ على شبكة الأمان الاجتماعي التي تمثل الملاذ الأخير لملايين الأردنيين.التل يكتب: أصحاب السعادة النواب: مدخراتنا.. ليست رهاناً!
مدار الساعة ـ