أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات مجتمع وظائف للأردنيين أحزاب أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة جاهات واعراس مستثمرون شهادة الموقف مناسبات جامعات بنوك وشركات خليجيات مغاربيات دين اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

الضرابعة يكتب: يوم الوثيقة العربية لعام 2025

مدار الساعة,مناسبات أردنية,الملك عبد الله الثاني,دائرة المكتبة الوطنية,المكتبة الوطنية,الذكاء الاصطناعي
مدار الساعة ـ
حجم الخط

مدار الساعة - بقلم: فراس الضرابعة (مدير عام دائرة المكتبة الوطنية الأردنية) -

تُعدّ الوثيقة بمفهومها الشامل ركنًا أساسيًّا في بناء الذاكرة الوطنية، ومصدرًا موثوقًا لتاريخ الأمم وهويتها الثقافية. وفي ظل التحولات الرقمية المتسارعة، تبرز الحاجة إلى منظومات متقدمة لحفظ وإدارة الوثائق بما يضمن ديمومتها وسهولة الوصول إليها. ويستعرض هذا المقال دور دائرة المكتبة الوطنية الأردنية في حفظ التراث الوثائقي والسمعي البصري، وجهودها في الأرشفة الورقية والرقمية، تزامنًا مع احتفالات الوطن العربي بـ "يوم الوثيقة العربية لعام 2025"، تحت شعار "الوثيقة العربية: ذاكرة تحفظ الحاضر وتبني المستقبل".

أولاً: الوثيقة العربية ومعناها الحضاري

تمثل الوثيقة العربية وعاءً معرفياً لحياة الأمة، وتختزن في مضمونها تفاصيل التطور الاجتماعي والسياسي والثقافي عبر العصور. وقد أقرّت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو) يوم السابع عشر من تشرين الأول/أكتوبر من كل عام ليكون يوم الوثيقة العربية، بهدف تعزيز الوعي بأهمية الوثائق والمحفوظات في حماية الهوية الثقافية للأمة وصون موروثها التاريخي.

وتؤكد الألكسو في تقاريرها الدورية أنّ صون الوثائق العربية يتطلب شراكة مؤسسية ومجتمعية متكاملة، تجمع بين الإرادة السياسية والكوادر المتخصصة والتقنيات الحديثة، في إطار ينسجم مع المعايير الدولية التي تعتمدها اليونسكو والمجلس الدولي للأرشيف (ICA).

ثانياً: المكتبة الوطنية الأردنية كنموذج مؤسسي لحفظ الذاكرة

تُعدّ دائرة المكتبة الوطنية الأردنية الحاضنة الرسمية للذاكرة الوطنية، والمركز الرئيس لجمع النتاج الفكري الوطني وصونه وإتاحته للباحثين وصنّاع القرار. وقد اضطلعت المكتبة بدور ريادي في إدارة التراث الوثائقي منذ تأسيسها، متبنيةً سياسات مؤسسية تعزز التكامل بين الحفظ التقليدي والتحول الرقمي.

وتتولى المكتبة مسؤولية حصر وجمع وتنظيم وإتاحة الوثائق والمخطوطات والمطبوعات بمختلف أنواعها، مع الحرص على تطبيق معايير الفهرسة والتصنيف العالمية بما يضمن سهولة الاسترجاع ودقة التوثيق.

حتى نهاية أيلول من عام 2025، بلغ إجمالي عدد الوثائق والمقتنيات في دائرة المكتبة الوطنية (4,121,764 وثيقة)، منها:

• 2,155,775 وثيقة حكومية

• 627,689 وثيقة خاصة

• 974 مادة سمعية

• 2,850 مادة سمعية بصرية

• 1,334,476 صفحة من الجريدة الرسمية

وتؤرشف المكتبة سنوياً آلاف الوثائق الجديدة بعد إخضاعها لمراحل دقيقة تشمل الفهرسة، المسح الضوئي، الإدخال إلى قواعد البيانات، ومراجعة الجودة.

ثالثاً: الأرشفة الرقمية والتحول المعرفي

تُعدّ الأرشفة الرقمية أحد أهم ركائز الحفظ المعاصر، إذ تُسهم في حماية الوثائق من التلف أو الفقدان الناتج عن العوامل البيئية والزمنية، كما تتيح وصولاً سريعاً للمعلومة بأقل وقت وجهد.

وتعمل المكتبة الوطنية على تطوير منظومات رقمية متقدمة تعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي في عمليات الفهرسة والتحليل الموضوعي. وتحرص الدائرة على أن تكون هذه الأنظمة متوافقة مع المعايير الدولية ISO 15489 وISO 30301 الخاصة بإدارة الوثائق.

ورغم ذلك، فإن الأرشفة الرقمية لا تُغني عن الأرشيفات الورقية، بل تشكّل مكمّلاً داعماً لها، إذ تتيح تقليل التداول اليدوي وحماية النسخ الأصلية من التآكل.

رابعاً: التراث السمعي والبصري كذاكرة حيّة

يشكل التراث السمعي والبصري أحد أهم مكونات الذاكرة الوطنية، فهو يوثّق الحياة اليومية، والممارسات الثقافية، واللغة، والعادات، والتقاليد. وتشمل محفوظات هذا التراث الأفلام الوثائقية، التسجيلات الصوتية، البرامج الإذاعية والتلفزيونية، والصور الفوتوغرافية التاريخية.

وتعمل المكتبة الوطنية الأردنية على رقمنة هذا التراث وحفظه ضمن بيئة رقمية آمنة، بما يسهم في تعزيز التنوع الثقافي وحماية الموروث السمعي والبصري من الضياع، انسجاماً مع توصيات اليونسكو في إطار برنامج "ذاكرة العالم".

خامساً: نحو رؤية مستقبلية

تنطلق رؤية المكتبة الوطنية من كونها مركزاً وطنياً متقدماً للمعرفة والأرشفة الرقمية، يسعى إلى تحقيق التكامل بين الذاكرة الورقية والرقمية، وتعزيز مفهوم "الوثيقة كقيمة وطنية".

ونؤكّد أنّ هذه الرؤية تأتي منسجمة مع رؤية التحديث الوطنية التي يقودها جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين المعظم، حفظه الله، والتي تضع التحول الرقمي والإدارة المعرفية في صميم التنمية الوطنية المستدامة.

خاتمة

إنّ صون الوثيقة هو صون للهوية، وحماية للذاكرة الجماعية، وضمان لاستمرارية التاريخ الوطني. وتُعدّ دائرة المكتبة الوطنية الأردنية اليوم نموذجاً مؤسسياً في المنطقة العربية في مجال إدارة الوثائق والتراث السمعي والبصري، عبر الجمع بين الأصالة والمعاصرة، والإيمان بأن الوثيقة ليست فقط ما نحفظه من الماضي، بل ما نبني به المستقبل.


مدار الساعة ـ