عندما تتصفح وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، تلاحظ كماً كبيراً من النقد أو المديح الموجّه للأشخاص، سواء أكانوا في مواقع القيادة أم من عامة الناس. والمثير في الأمر أن كثيراً من هذه التعليقات تركز على الشخص ذاته، مدحاً أو قدحاً، وغالبا من غير توضيحٍ للأسباب أو المواقف التي أدّت إلى ذلك. إن النقد أو المديح المقبول اجتماعياً، وقانونياً، وأخلاقياً، هو ما يوجَّه إلى سلوكٍ محدد أو موقفٍ واضح، لا إلى الشخص بصفته الكلية. فالتعميم في الحكم على الأفراد يُعدّ تجاوزاً للإنصاف، ومساساً بكرامة الإنسان.
كلنا يعرف انه لا يوجد شخص أو مسؤول مثالي يخلو سلوكه من الأخطاء او العيوب وما نبحث عنه من كمال تام في الانسان كمقولة سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه "لو عثرت بغلة في طريق العراق لسألني الله عنها ان لم تصلح لها الطريق" هو أقرب الى فكرة المدينة الفاضلة. كذلك لا يوجد شخص جميع سلوكياته خاطئة وبذور الخير موجودة في كل إنسان إذا بحثت عنها، والبشر عامة لا عصمة لهم مهما بلغو من العلم والمعرفة والحكمة. فمن الناحية النفسية، حين نقول لشخص: "أنت كسول، فإننا نغلق أمامه باب التغيير لأنه سيشعر أن شخصيته كلها موصومة. أما إذا قلنا تأخرت في إنجاز هذا العمل وانني وأثق أنك تستطيع أن تنجزه أسرع في المرة القادمة، فقد وجهنا النقد نحو السلوك وحده، وفتحنا له نافذة أمل للتصحيح. والأبحاث النفسية تؤكد أن النقد الموجه للفعل يزيد الدافعية للعمل الصحيح بينما النقد الموجه للشخص يثير المقاومة والدفاعية وردات الفعل.ومن زاوية تربوية، المعلم الواعي حين يرى طالبًا يتحدث أثناء الشرح، لا يقول له: "أنت مشاغب دائمًا"، بل يقول "حديثك الآن يُعطّل زملاءك، فلنكمل الدرس ثم نتحاور". بهذا الأسلوب التربوي يبقى احترام الطالب قائمًا، ويُفهم أن المشكلة في السلوك الآني لا في قيمته كشخص. وكذلك في البيت، حين يمدح الوالد ابنه بقوله: "أعجبني أنك شاركت أختك ألعابك اليوم"، فهو يثبّت السلوك الإيجابي بدلًا من مدح الشخصية بشكل مطلق مما قد يخلق غرورًا كبيرا لان بناء الشخصية عملية نمائية تراكمية. أما من زاوية الشرع والقانون، فأنه لا يحاسب الأشخاص لذواتهم، بل يتم محاسبتهم على افعالهم ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ﴾ [المدثر: 38]. والقاضي يقول ""فلان ارتكب هذه المخالفة"، ولا يقول "فلان سيء"؛ لأن العدالة تقوم على التفريق بين الفعل والفاعل. وفي حياتنا اليومية، يجب ان نمدح السلوك الايجابي وننتقد الفعل السلبي، لكننا لا نسلب الشخص حقه في الاحترام والكرامة . وحين نكتب نقدًا لمسؤول أو ناشط، قل ان قرار المسؤول فيه أعباء كبيرة على المواطنين" بدلًا من أن نقول: "المسؤول فاشل ويعمل ضد وطنه". وحين نمدح، فلنقل "خطوة جيدة أن المسؤول أطلق خدمة جديدة لتسهيل المعاملات" بدلًا من "المسؤول أنسان عظيم" حتى نشجعه على مزيدا من القررات الايجابية ولا نعزز غروره. بهذا نحافظ على موضوعية النقد والمدح، ونبني حوارًا ناضجًا وعلاقات عامة تساهم في الإصلاح بدلًا من أن يتحول إلى صراع شخصي أو مجتمعي. لا يوجد إنسان معصوم عن الخطأ، ولا إنسان كل سلوكياته خاطئة. فإذا كانت قوانين الدنيا والاخرة تفرّق بين الفعل (السلوك) والفاعل (الشخص) وبين الفكرة والسلوك، فالأولى بنا أن نفعل ذلك في تعاملنا مع الاخرين. ولنجعل السلوك وليس الشخص موضوع المدح والنقد، ولنجعل الإنسان مكرّمًا دائمًا مهما أخطأ أو أصاب. ولا ننسى ان الله تعالى اعطى لكل منا شخصية فريدة مميزة كبصمة الأصابع او العين تختلف عن أي انسان اخر على وجه الأرض، ولا تتوقع ان يكون الاخرون نسخة مكررة عنك.العتوم يكتب: انتقد السلوك ولا تنتقد الشخص
مدار الساعة ـ