أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين مقالات مختارة أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات الموقف مناسبات جاهات واعراس مستثمرون شهادة جامعات دين بنوك وشركات خليجيات مغاربيات ثقافة رياضة اخبار خفيفة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

أبو دلو يكتب: انتخاب اللجان الدائمة في مجلس النواب


المحامي الدكتور معاذ وليد ابو دلو

أبو دلو يكتب: انتخاب اللجان الدائمة في مجلس النواب

مدار الساعة (الغد الأردنية) ـ

افتتحت الدورة العادية لمجلس الأمة بخطاب العرش الذي ألقاه الملك، معلنًا بداية دورة جديدة من العمل التشريعي والرقابي في الدولة من خلال مجلس الأمة. وما إن انفضّ الجمع الملكي حتى انصرف النواب إلى مجلسهم لعقد الجلسة الأولى، حيث جرى انتخاب المكتب الدائم ورئيس المجلس استنادًا إلى أحكام المادة (69) من الدستور الأردني.

إلا أن هذه الدورة اعادت ابتداع شكلاً حصل سابقاً لمرة واحدة وهو ”الجاهات الدستورية” أو التزكية لاختيار رئيس مجلس النواب، في سابقة ليست الأولى من نوعها، لكنها تثير نقاشًا سياسيًا ودستوريًا واسعًا حول حدود الممارسة الديمقراطية داخل المؤسسة التشريعية. فبينما ينص الدستور والنظام الداخلي على مبدأ الانتخاب الحر والمباشر، فإن اعتماد مبدأ التزكية يُضعف من المشهد الديمقراطي، ويحول العملية من منافسة نيابية إلى توافقات شكلية قد تفرغ النص الدستوري من روحه، وتفتح الباب أمام أعراف سياسية غير مكتوبة تتحكم في المسار الديمقراطي داخل البرلمان .

ومع طي صفحة اختيار الرئيس والمكتب الدائم، تنتقل الأهمية إلى مرحلة لا تقل شأنًا، وهي تشكيل اللجان الدائمة التي تعد العصب الحقيقي لعمل المجلس النيابي ، فوفقًا للنظام الداخلي لمجلس النواب لسنة 2019، وتحديدًا المادة (20)، يقوم المجلس في بدء كل دورة عادية بانتخاب أعضاء لجانه الدائمة وعددها عشرون لجنة، تتوزع اختصاصاتها بين مختلف الشؤون التشريعية والرقابية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والخدمية .

تناط بكل لجنة مهام محددة تتعلق بدراسة مشروعات القوانين والاقتراحات، وتحليلها من الجوانب القانونية والفنية والسياسية والاجتماعية، وترفع إلى المجلس لمناقشتها تحت القبة. وبذلك تُعتبر اللجان النيابية الركيزة الأساسية في صناعة المحتوى التشريعي، إذ تسهم في بلورة الرؤى وتجويد النصوص القانونية للتشريع، إلى جانب دور اعضاءها الرقابي في متابعة أداء الحكومة ومساءلتها وفقًا لأحكام الدستور.

ويتراوح عدد أعضاء كل لجنة بين خمسة أعضاء كحد أدنى وأحد عشر عضوًا كحد أعلى، لضمان التوازن بين التمثيل النيابي والكفاءة الفنية. كما يتيح النظام الداخلي للمجلس تشكيل لجان مؤقتة عند الحاجة، لتولي مهام محددة أو دراسة قضايا طارئة، وتنتهي مهمتها بانتهاء الغاية التي أُنشئت من أجلها. وهذه المرونة في البنية التنظيمية تمنح المجلس قدرة على مواكبة المتغيرات الوطنية ومواجهة التحديات المستجدة بآليات مؤسسية فعالة.

إن أهمية اللجان النيابية لا تقتصر على الجوانب الإجرائية، بل تمتد لتجسد مفهوم التخصص البرلماني، فهي حلقة الوصل بين النصوص الدستورية والتطبيق العملي. فاللجان تمارس نوعًا من “البرلمان المصغر” داخل المجلس، وتشكل إطارًا تشاوريًا وفنيًا يضمن دراسة متأنية للقوانين بعيدًا عن ضجيج الجلسات العامة تحت القبة، مما يعزز جودة التشريعات ويرفع من مستوى الرقابة البرلمانية على السلطة التنفيذية.

وفي ضوء ذلك، يمكن القول إن انتظام عمل اللجان وفاعليتها يشكلان معيارًا حقيقيًا لقياس أداء المجلس وقدرته على التفاعل مع قضايا الدولة والمجتمع. فكلما كانت اللجان اكثر التزامًا بالعمل المؤسسي والتخصص، كان المجلس أكثر تأثيرًا في رسم السياسات العامة وصناعة القرار ، مما يرسخ مبدأ الفصل بين السلطات والتوازن بينها ويعزز الشرعية الدستورية للدولة.

إن فاعلية اللجان النيابية تمثل كذلك مؤشرًا مباشرًا على مدى قدرة مجلس النواب على كسب ثقة المواطنين وترسيخ مكانته كسلطة دستورية فاعلة في النظام السياسي. فحين تؤدي اللجان دورها بكفاءة ومهنية، ينعكس ذلك على مخرجاتها بالقوانين المتعلقة بحياة المواطنين فيشعر المواطن بأن صوته المعبر عنه عبر ممثليه يجد صداه داخل أروقة البرلمان. أما إذا غابت الجدية أو طغت الاعتبارات الشخصية والسياسية على عملها والفوضى في تشكيلها، فإن ذلك ينعكس سلبًا على صورة المجلس ويضعف الثقة العامة بالمؤسسة التشريعية وغرفتها الأولى.

إن الثقة الشعبية لا تمنح بقرارات آنية أو شعارات أو شعبويات، بل تبنى عبر أداء مؤسسي منتظم يوازن بين المصلحة العليا للدولة والمساءلة الحقيقية. ومن هنا، تبرز أهمية تطوير آليات عمل اللجان وتعزيز استقلاليتها وأن تكون مكونة من الخبرات الفنية، بما يضمن أن يبقى مجلس الأمة إطارًا دستوريًا نابضًا بالحياة، ويجسد الإرادة الشعبية، ويحافظ على توازن السلطات واستقرار النظام السياسي الأردني.

مدار الساعة (الغد الأردنية) ـ